للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: أن العين وصف وما ضمِنَه موصوف.

والثاني: أنه لا مساواة بين العين والدية في المالية، فعُلم أنه لا تُشترط المساواة من كل وجه في باب العدوان أيضًا؛ ولأن التفاوت لو كان ثابتًا من حيث إن الدراهم عين والمنافع عرض، (ولكن يسقط اعتبار هذا التفاوت لدفع (١) الظلم، وللزجر عن إتلاف منافع أموال الناس؛ ولأن المُتلَف عليه مظلوم يَسْقط حقُّه إذا اُعْتبر هذا التفاوت، ومراعاة جانب المظلوم أولى من مراعاة جانب الظالم، مع أن هذا التفاوت بزيادة وصف، فلو لم نعتبره سقط به حق المُتْلَف عن الصفة، ولو اعتبرناه سقط به حق المتلَف عليه عن أصل المالية، وإذا لم يكن بُدّ من إهدار أحدهما فإهدار الصفة عن الظالم أولى من إهدار الأصل في حق المظلوم) (٢) فكانت أوَّليَّة (٣) رعاية جانب المظلوم بطريقين، فيجب مراعاة جانبه ما جوابنا عن هذا المجموع.

[[المنافع ليست أموال حقيقة]]

قلتُ: أما قوله: إنّ المنافع أموال حقيقة، فقلنا: لا نسلِّم؛ وذلك (لأن صفة المالية/ للشيء إنما تثبت بالتموّل، والتمول صيانة الشيء وادِّخاره لوقت الحاجة-[وإنما قلنا: إن التمول عبارة عن صيانة الشيء، وادخاره لوقت الحاجة] (٤) لا عن الانتفاع بالإتلاف؛ لأن الأكل والشرب لا يُسمى تمولًا؛ لأن المال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به، ولكن (٥) باعتبار صفة التمول والادِّخار لوقت الحاجة- والمنافع لا تبقى وقتين، ولكنها أعراض، كما تخرج من حَيِّز العدم إلى حيز الوجود تتلاشى، فلا يُتصور فيها التمول؛ ولهذا لا يتمول في حق الغرماء والورثة، حتى أن المريض إذا أعان إنسانًا بيديه، أو أعاره شيئًا فانتفع به (٦) لا يُعتبر خروج تلك المنفعة من الثلث) (٧).

[[المنافع لها حكم المال ولكن ليس لها صفة التقوم]]

(وكذلك قالوا: من كان له نصاب زكاة من مال التجارة فاستأجر دُورًا للتجارة بَطَل الحول، كما لو تزوّج به امرأة أو اشترى مالًا للبِذلة (٨)، ولو كان للمنافع حكم المال حقيقة لَمَا انقطع بها النصاب إذا أراد بها التجارة، وإن كانت تبقى سنة، كما إذا (٩) اشترى بها الخضروات للتجارة) (١٠)؛ ولئن سلّمنا أن لها حكم المال، ولكن ليس لها صفة التَّقوم؛ (لأن التقوم لا يسبق الوجود، فإن المعدوم لا يُوصف بأنه متقوم؛ إذ المعدوم ليس بشيء، وبعد الوجود التقوم لا يسبق الإحراز (١١) -؛ ولأنّ التقوم إنما يكون بعد الإحراز، ألا ترى أن الصيد والحشيش غير متقوم قبل الإحراز؟ وإن كان غنيًّا- والإحراز بعد الوجود لا يتحقق فيما لا يبقى وقتين فلا يكون متقوّمًا؛ وعن هذا قلنا: إن الإتلاف لا يُتصوّر في المنفعة؛ لأنّ فعل الإتلاف لا يُحلّ المعدوم، وبعد الوجود لا يبقى ليحل فعل الإتلاف، وإثبات الحكم بدون تحقق السبب لا يجوز؛ فعُلم بهذا أنها لو جعلت أموالًا أيضًا لا يتحقق فيه صورة المسألة التي يُنازعنا فيها، وهي إتلاف المنافع فلا يترتب على مباشرتها حكم إتلاف الأموال- ثم إنما يثبت (١٢) للمنفعة في العقد حكم الإحراز، والتقوم شرعًا بخلاف القياس، وكان ذلك باعتبار إقامة العين المُنْتَفع بها مقام المنفعة لأجل الحاجة والضرورة، ولا تتحقق مثل هذه الحاجة في العدوان، فتبقى الحقيقة معتبرة) (١٣).


(١) سقطت في (ع).
(٢) المبسوط للسرخسي (١١/ ٨٠).
(٣) في (أ): (أو كونه).
(٤) في (ع): سقط نظر.
(٥) في (أ): (ذلك).
(٦) في (أ): (يبديه).
(٧) المبسوط للسرخسي (١١/ ٧٩).
(٨) الْبِذْلَةُ: مَا يُمْتَهَنُ مِنَ الثِّيَابِ. مختار الصحاح (ص: ٣١).
(٩) سقطت في (أ).
(١٠) الأسرار للدبوسي (٣/ ١٢٥).
(١١) في (أ): (الأجر).
(١٢) في (ع): (يكون).
(١٣) المبسوط للسرخسي (١١/ ٧٩).