للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل يقدم الحج على الزواج]

ثُمَّ وجه الاستدلال بهذا على الفور، أن بالتزوج يحصل تحصين النفس، والتحصين واجب في كل الأحول، وبالاشتغال بالحجّ يفوت التحصين، فلو لم يكن الوجوب على الفور، فلا معنى للأمر بالاشتغال بالحجّ الذي يفوت به التحصين مع أن الاشتغال بالتزوج لا يؤدي إلى تفويت الحجّ، بل هو أداء في كل وقت يؤديه، ومن الجائز أن يجد مالًا آخر يحج به، لما أن المال غادٍ ورائح، فثبت بأمره بالحجّ أن عنده الوجوب على الفور.

قوله - رحمه الله-:

(وعند محمد (١) والشافعي (٢) -رحمهما الله- على التراخي) (٣).

ولكن بين قوليهما فرق، وهو أن عند محمد يسعه التأخير بشرط أن لا يفوته بالموت فإن أخّر حتى مات، فهو (٤) آثِمٌ (٥) بالتأخير، وعند الشافعي (٦) -رحمه الله- لا يأثَم بالتأخير، وإن مات.


(١) هوشيخ الإسلام الإمام أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه، وهو الذي أظهر علم أبي حنيفة بتصانيفه المشهورة ومنها: الأصل، والجامع الصغير والكبير، والسير الصغير والكبير، والزيادات، يُعد من أئمة الفقه المجتهدين، ومن أئمة العربية (ت ١٨٩ هـ).
انظر: الجواهر المضية (٣/ ١٢٢)، تاج التراجم (ص/ ٢٣٧)، الفوائد البهية (ص/ ٢٦٨).
(٢) ذهب الشافعي، والأوزاعي، والثوري، ومحمد بن الحسن من الحنيفية، إلى أن الحج على التراخي، ونقله الماوردي عن ابن عباس، وأنس، وجابر، وعطاء، وطاووس، وذهب أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، والمزني من الشافعية، وأبو يوسف: أنه على الفور، وعن مالك قول آخر: أنه على التراخي مالم يخش الفوات، فإن خشي الفوات وجب على الفور.
انظر: بدائع الصنائع (٢/ ١١٩)، البناية (٣/ ٤٢٨)، كشف الأسرار (١/ ٣٤٩)، بداية المجتهد (١/ ٣٢١)، المجموع شرح المهذب (٧/ ٧٠)، الشرح الكبير (٨/ ٥٠)، الإنصاف (٨/ ٥٠).
(٣) التراخي: جواز تأخير الفعل عن وقته الأول إلى ظن الفوت، فيشمل تمام العمر.
والتراخي في الحجّ لا يعني تعيّن التأخير، بل بمعنى عدم لزوم الفور، فيجوز له تأخيرُه عن سَنَة الإمكان، ولا يتعين أشهر الحجّ من العام الأول للأداء.
انظر: جامع الرموز (١/ ٣٨٦)، رد المحتار (٦/ ٤٥٩)، التعريفات الفقهية (ص/ ٢٢٥).
(٤) ساقطة من (ب، ج).
(٥) في (ب، ج): يأثم.
(٦) انظر: "المجموع" (٧/ ١٠٦)، "مغني المحتاج" (٢/ ٢٠٧).