للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكمُ النِّيَةِ للصَّلاةِ]

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَيَنْوِي الصَّلَاةَ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا).

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ -رحمه الله-: (النِّيَّةُ مَعْرِفَةُ الْقَلْبِ، أَيْ صَلَاةٌ يُصَلِّي) (١)، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَالَ مُحَمَّدٌ -رحمه الله- (٢) وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ، كَبَّرَ؛ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَرَادَ (٣) أَيْ نَوَى وَالْإِرَادَةُ هِيَ النِّيَّةُ؛ لِأَنَّهَا عَمَلُ الْقَلْبِ، كَالنِّيَّةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ النِّيَّةَ، لَا تَتَأَدَّى بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ الْإِرَادَةِ، وَالْإِرَادَةُ؛ عَمَلُ الْقَلْبِ، لَا عَمَلَ اللِّسَانِ، فَإِنَّ عَمَلَ اللِّسَانِ؛ يُسَمَّى (٤) كَلَاماً، لَا إِرَادَةً، وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ فَرْضٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (٥) وامَّا مَا ذَكَرَهُ بِاللِّسَانِ مَعَ نِيَّةِ الْقَلْبِ سُنَّةٌ، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَفِي "فتاوى قاضي خان" (٦).

[[أصل النية ووقتها وكيفيتها]]

الْكَلَامُ ها هُنَا فِي مَوَاضِعِ الْأَوَّلِ، فِي أَصْلِ النِّيَّةِ، وَالثَّانِي فِي وَقْتِهَا، وَالثَّالِثُ فِي كَيْفِيَّتِهَا، أَمَّا أَصْلُهَا، فَأَنْ يَقْصِدُ بِقَلْبِهِ؛ فَإِنْ قَصَدَ بِقَلْبِهِ، وَذَكَرَ بِلِسَانِهِ، كَانَ أَفْضَلَ [وَ] (٧) عِنْدَ الشَّافِعِيِّ -رحمه الله- لَا بُدَّ مِنَ الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ (٨)، وامَّا وَقْتُهَا؛ فَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا (٩)، عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَن تَكُونَ مُقَارَنَةً لِلشُّرُوعِ، وَلَا يَكُونُ شَارِعًا، بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ.


(١) "المبسوط"للسرخسي (١/ ١٠).
(٢) (قال محمد -رحمه الله-: ساقطة من (ب).
(٣) (أراد): ساقطة من (ب) ..
(٤) في (ب): (يقتضي).
(٥) سورة غافر: من آية (١٤).
(٦) " فتاوى قاضي خان " (ص ١٠٠).
(٧) زيادة من (ب)
(٨) ليس شرطاً عند الشافعية والصحيح: عند الشافعي أن النية محلها القلب، لا يشترط أن تتلفظ باللسان. ينظر: "الحاوي الكبير، للماوردي" (٢/ ٩٢).
فائدة: يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (٢٢/ ٢٣٠): (نِيَّةُ الطَّهَارَةِ مِنْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ أَوْ تَيَمُّمٍ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نُطْقِ اللِّسَانِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ. بَلْ النِّيَّةُ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ دُونَ اللِّسَانِ بِاتِّفَاقِهِمْ فَلَوْ لَفَظَ بِلِسَانِهِ غَلَطًا بِخِلَافِ مَا نَوَى فِي قَلْبِهِ كَانَ الِاعْتِبَارُ بِمَا نَوَى لَا بِمَا لَفَظَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ خِلَافًا إلَّا أَنَّ بَعْضَ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ -رحمه الله- خَرَّجَ وَجْهًا فِي ذَلِكَ وَغَلَّطَهُ فِيهِ أَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ. وَكَانَ سَبَبُ غَلَطِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ فِي أَوَّلِهَا. وَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ: التَّكْبِيرَ الْوَاجِبَ فِي أَوَّلِهَا فَظَنَّ هَذَا الغالط أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ النُّطْقَ بِالنِّيَّةِ فَغَلَّطَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ جَمِيعُهُمْ).
(٩) قال ابن نجيم في كتابه "الأشباه والنظائر" (ص: ٣٦): (وَفِي الْخُلَاصَةِ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا، أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلشُّرُوعِ، وَلَا يَكُونُ شَارِعًا بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى لَا يَقَعُ عِبَادَةً لِعَدَمِ النِّيَّةِ، فَكَذَا الْبَاقِي لِعَدَمِ التَّجَزِّي، وَنَقَلَ ابْنُ وَهْبَانَ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ خَارِجًا عَنْ الْمَذْهَبِ).