للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمّا عند محمد، إذا جعله وقفًا على نفسه أو جعل شيئًا من الغَلَّة لنفسه مادام حيًّا فالوقف باطل، وهو مذهب أهل البصرة لأنّ التّقرُّب بإزالة الملك واشتراط الغَلّة أو بعضها لنفسه يمنع زوال ملكه، فلا يكون صحيحًا، وكذلك لو شرط الغلَّة لإمائه فهو كاشتراطه لنفسه" (١).

(فصار كما في الصّدقة المنفذّة) أي: سلَّم قدرًا من ماله للفقير على وجه الصّدقة بشرط أنْ يكون بعضه لي، فإن الصّدقة بهذا الشّرط لا تجوز، هكذا كان بخطِّ شَيخي.

[[الإشتراط في الوقف]]

(وشرطِ) بالجر، بأنْ جَعَل بعض المسجِد لنفسه، فهو مانعٌ للجواز في الكُلِّ فقد جَعل ما صار مملوكًا لله تعالى لنفسِه كما في الصّيد والحشيش وسائر المباحات.

(وشرط أنْ يَنزله) بفتح الياء، من النُّزول على بناء الفاعل، (أو يُدفَن) على بناء المفعول.

(وعند محمّد الوقف جائز والشّرط باطل (٢) لأنّ هذا الشّرط لا يؤثّر في المنع من زواله، والوقف يتم بذلك، ولاينعدم به معنى التّأبيد في أصل الوقف، فيتمُّ الوقف بشروطه، ويبقى الاستبدال شرطًا فاسدًا، فيكون باطلًا في نفسه كالمسجِد إذا شرط الاستبدال به أو (٣) شرط أنْ يصلي فيه قوم دون قومٍ، فالشرط باطل واتّخاذ المسجد صحيح فهذا مثله.

(ولو شرط الخيار لنفسه في الوقف ثلاثة أيام جاز الوقف والشرط عند أبي يوسف (٤) (٥) وإنّما قيد بقوله: "ثلاثة أيام" لتكون مدّة الخيار معلومة، حتّى لو كانت مجهولة لا يجوز الوقف على قول أبي يوسف أيضًالأنَّه ذكر في فتاوى قاضي خان: ولو شرط الخيار لنفسه في الوقف (٦) قال أبو يوسف: إنْ عيَّن للخيار وقتًا معلومًا يجوز الوقف والشرط، كما في البيع، وإن كان الوقت مجهولًا لايجوز الوقف (٧).

وقال الفقيه أبو جعفر: ينبغي أنْ يجوز الوقف ويبطل الشرط.

وذكر في المبسوط: ولو شرط الخيار لنفسه في الوقف ثلاثة أيام فعلى قول أبي يوسف الوقف والشرط جائز كما هو مذهبه في التّوسع في الوقف، وقال هلال بن يحيى: الوقف باطل وهو قول محمد.

وقال يوسف بن خالد السّمتي (٨): الوقف جائز والشرط باطل؛ لأنَّه إزالة ملك لا إلى مالك فيكون بمنزلة الإعتاق واشتراط الخيار في العتق باطل والعتق صحيح، وكذلك في المسجد اشتراط الخيار باطل واتخاذ المسجد صحيح، فكذلك في الوقف. ومحمّد يقول: إنَّ تمام الوقف يعتمِد تمام الرّضا ومع اشتراط الخيار لا يتمّ الرّضا فيكون ذلك مبطلًا للوقف بمنزلة الإكراه على الوقف، ثُمّ تمام الوقف على مذهبه بالقبض، وشرط الخيار يمنع تمام القبض. ألا ترى أنّ في الصّرف والسَّلَم لا يتِم القبض مع شرط الخيار وبه فارق المسجد، فالقبض هناك ليس بشرط. إنَّما الشّرط إقامة الصّلاة فيه بالجماعة، وقد وجد ذلك مع شرط الخيار، فلهذا كان مسجدًا.


(١) المبسوط للسرخسي (١٢/ ٤١).
(٢) ينظر المبسوط للسرخسي (١٢/ ٤٢).
(٣) في (ب) "و".
(٤) ينظر المبسوط للسرخسي (١٢/ ٤٢).
(٥) في (ب) "على قول أبي يوسف" بدل "والشرط عند أبي يوسف".
(٦) ينظر فتاوى قاضي خان (٢/ ٩١).
(٧) ينظر الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (٥/ ١٢٤).
(٨) يوسف بن خالد بن عمير السمتي، ويكنى أبا خالد. وكان قد طلب العلم، وكان له بصر بالرأي والفتوى والكتب والشروط، وكان الناس يتقون حديثه لرأيه، وكان ضعيفًا في الحديث. وقيل له السمتي للحيته وهيئته وسمته. وتوفي بالبصرة في رجب سنة (١٨٩ هـ) وهو ابن تسع وستين سنة. الطبقات الكبرى ط العلمية (٧/ ٢١٤)، التاريخ الكبير للبخاري بحواشي محمود خليل (٨/ ٣٨٨)، أخبار أبي حنيفة وأصحابه (ص: ١٥٧).