للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبو يوسف يقول: الوقف يتعلّق به اللُّزوم، ويحتمِل الفَسخ ببعض الأسباب، واشتراط الخيار للفسخ، فيكون بمنزلة البيع في أنّه يجوز اشتراط الخيار فيه، وهذا/ في الحقيقة بناء على الأصل الّذي ذكرنا له فإنّه يجوز أنْ يستثني الواقف الغَلّة لنفسه مادام حيًّا، فكذلك يجوز أنْ يشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام ليروي النّظر فيه (١).

وقوله: (وهذا بناء على ما ذكرنا) إشارة إلى أنْ جعل الواقف غَلّة الوقف لنفسه جائز عند أبي يوسف خلافًا لمحمد، وبهذا البناء صرَّح في المبسوط على ما بيَّنا، ثم لما لم يصحّ الوقف بشرط الخيار عند محمد لم ينقلب الوقف جائزًا بإبطال الخيار بعد ذلك بخلاف البيع إذا شرط فيه الخيار أكثر من ثلاثة أيام، ثم أبطل الخيار قبل الأيام الثلاثة ينقلب البيع جائزًا؛ لأنّالوقف لا يجوز إلا مؤبَّدًاو شرط الخيار يمنع التأبيد، فكان شرط الخيار شرطًا فاسدًا في نفس العقد. أمّا الخيار فلا يمنع جواز البيع وإنّما يفسد البيع إذا شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام لامتناع لزوم العقد بعد الأيام الثلاثة، فلَم يَكُن الفساد في صُلْب العقد؛ كذا في فتاوى قاضي خان (٢).

(وأمَّا فصل الولاية: فقد نصّ فيه (٣) على قول أبي يوسف وهو قول هلال) أي: فقد نصّ في فصل الولاية بالجواز على قول أبي يوسف في الكتاب بقوله: (وإذا جعل الواقف) إلى قوله: (جاز عند أبي يوسف) (٤). وذكر في الذّخيرة والتتمة "ذكر هلال: إذا وقف الرّجل أرضه، ولم يشترِط الولاية لنفسه ولا لغيره أنَّ الوقف جائز والولاية للواقف" (٥).

وقوله: (وقال أقوام) أي: بعض المشايخ (٦): (إنْ شرط الواقف الولاية لنفسه كانت له، وإن لم يشترط لم يكن له ولاية)، قال مشايخنا: الأشبه أنْ يكون هذا قول محمد.

فإنْ قلت (٧): كيف يصحّ نسبة هذا القول إلى محمد، ومن مذهبه أنّ التسليم إلى المتولي شرط صحّة الوقف، فعلى هذا لايجوز أنْ يشترط (٨) الواقف الولاية لنفسه على قولهلأنَّ هذا يمنع التّسليم إلى المتولي فكان على مذهبه يجب أنْ لا تكون له الولاية، شرط ذلك، أولم يشترط (٩)؟


(١) ينظر المبسوط للسرخسي (١٢/ ٤٢).
(٢) ينظر فتاوى قاضي خان (٣/ ١٧٢).
(٣) أي: فقد نص القدوري في فصل الولاية بالجواز. العناية شرح الهداية (٦/ ٢٣٠).
(٤) تمام الكلام: "وإذا جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية إليه جاز عند أبي يوسف"، الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ١٩).
(٥) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٦/ ١٣٤).
(٦) البناية شرح الهداية (٧/ ٤٥٠).
(٧) في (ب) "قيل".
(٨) في (ب) "يشرط".
(٩) في (ب) "يشرط".