للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: نعم كذلك إِلاَّ أنهُ رَفَعَ تلك الشُّبهةِ بقولهِ وهو المعروف، فإن الشيئين إذا كانا معروفين في نفسه، ولكن الجهالةَ وقعتْ في نسبةِ كلِّ واحدٍ منهما إلى الآخر، يجوز أن يُعَرَفَ نسبةَ ذاك بهذا، ونسبةَ هذا بذاك، بيانه: إنك إذا عَرَفْتَ زيدًا وعَمْرًا بعينهما، ولكن لا تعرفُ نسبةَ كُلِّ واحدٍ منهما إلى الآخر بأيِّ طريقٍ، فتقول: مَنْ زيد؟ فيجيبك

المسئولُ بأنه ابنُ عَمْروٍ، ثُمَّ مضى زمانٌ وغفلْتَ عمّا عرفته بطريق الضِمْنِ فتسألُه، وتقولُ: مَنْ عمرو؟ فيقول: أبو زيد يحصل لك معرفةَ نسبة كلّ واحد منهما إلى الآخر بالتصريح، وإنْ وقعَ الاستغناءُ للمتيقظِ بالتعريفِ الأول، ولِكن كان ذلك التعريفُ بطريقِ الضمن لا بالتصريح، ولا يستبعدُه أحدٌ، فكذلك هاهنا ذَكر تعريفَ المِثْقَال هنا، وإنْ كانَ وقعَ الاستغناُء بما ذكِرَ هناك لكنْ لم يكن ذلك بطريقِ التصريحِ مع إظهارِ عُذْرٍ به بقولهِ (وهو المعروفُ) (١)، أي: المِثْقَالُ معروفٌ غيرُ محتاجٍ إلى البيانِ، ولكنْ هذا لزيادة الْإِيضَاحِ، وهُمْ علماءً هُداةٌ طارحوا التكليفَ، ونابذوا التعُسفَ، يفيدون ما أفادوا على التَّمامِ من غيرِ إخلال في المرامِ.

ومثلُ هذا التعريف وقع في "الصِّحَاح" (٢) (٣) وغيره، فقال في "الصِّحَاح" (٤) في تعريف الضريع والشَّبرقِ، فقال في باب العين: الضريعُ لِبْس الشرفاء، ثُمَّ ذَكَرَ في باب القاف الشِّبْرِقِ بالكسر، وهو: رُطْبُ الضَّريع (٥).

[[تعريف المثقال]]

وأمَّا تعريفُ المِثْقَال (٦) على وجهِ التمامِ وِهو الدِّينارُ، ما ذكرهُ الإمامُ الأَجل خَتمُ الحِسَابِ سِراجُ الدِّينِ أبو طاهر مُحَمَّد بن عبد الرشيد السجاوندي -رحمه الله- (٧) في تصنيفٍ له في باب قِسمة التركاتِ، فقال: اعلَمْ أنَّ الدينارَ ستةُ دوانيق (٨)، والدانُق أربعُ طسوجات (٩)، والطُّسوجَ حبتان، والحبةُ شعيرتان، والشعيرةُ] ستةُ خرادل (١٠)، والخردلةُ اثنا عشر فلسًا، والفلِسُ (١١) ستُ فتيلات (١٢)، والفتيل ست نقيرات (١٣)، والنقيرةُ (١٤) ثماني قَطْميرات، والقطميرة (١٥) اثني عشر ذرةً (١٦)، وذكر فيها أيضًا: الدينار بصنجةِ (١٧) أهلِ الحجاز عشرون قيراطاً، والقيراطُ خَمسُ شعيرات، والدينارُ عندهم مائةُ شعيرةٍ، وعندِ أهلِ سمرقند (١٨) ستةٌ وتسعون شعيرة، فيكون القيراطُ عندهم طسوجًا وخمسة.


(١) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٤).
(٢) الصِّحَاح تاج اللغة وصحاح العربية تأليف إسماعيل بن حماد الجوهري إمام فى علم اللغة؛ وخطّه يضرب به المثل فى الحسن، حقق كتاب الصِّحَاح أحمد عبد الغفور عطار وطبعته دار العلم للملايين في لبنان.
(٣) يُنْظَر: (٣/ ١٢٤٩).
(٤) نفس المصدر السابق.
(٥) يُنْظَر: الصِّحَاح: (٤/ ١٥٠٠).
(٦) المثقال: في اللغة: ميزانه من مثله، وهو مفرد يجمع على مثاقيل، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، وكل سبعة مثاقيل عشرة دراهم، وفي اصطلاح الفقهاء: المثقال وزن الدينار من الذهب، قال الكمال بن الهمام: والظاهر أن المثقال اسم للمقدار المقدر به، والدينار اسم للمقدر به بقيد ذهبيته، وقال ابن عابدين بعدما أورد هذه العبارة عن الفتح: وحاصله أن الدينار اسم للقطعة من الذهب المضروبة المقدرة بالمثقال، فاتحادهما من حيث الوزن وجميع الأئمة على ذلك أيضا. يُنْظَر: فتح القدير: (١/ ٥٢٢)، ومغني المحتاج: (١/ ٣٨٣)، حاشية ابن عابدين: (٢/ ٢٩).
(٧) هو: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرشيد بن طيفور، سراج الدين أبو طاهر السجاوندي الحنفي، فقيه، مفسر، فرضي، يُنْظَر: (الجواهر المضية: ٢/ ١١٩)، (الأَعْلَام للزركلي: ٧/ ٢٧)، و (معجم المؤلفين: ١١/ ٢٣٣).
(٨) الدانق: سدس الدينار والدرهم. يُنْظَر: لسان العرب: (١٠/ ١٠٥).
(٩) الطَّسُّوج: حَبَّتان من الدَّوَانيق والدَّانق أَربعة طَساسيج، وهما معرَّبان، وقال الأَزهري: الطَّسُّوج مقدار من الوزن، يُنْظَر: لسان العرب: (٢/ ٣١٧).
(١٠) الخردل نبات معروف الواحدة خَرْدَلة وفي التنزيل العزيز {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: ٤٧] أَي: زِنَة خَرْدَل وتساوي حبة الخردل جزء من ستة أجزاء من حبة الشعير، يُنْظَر: لسان العرب: (١١/ ٢٠٣)، مختار الصِّحَاح (١/ ١٩٦)، معجم لغة الفقهاء (١/ ١٩٤).
(١١) عملة يتعامل بها مضروبة من غير الذهب والفضة وكانت تقدر بسدس الدرهم وهي تساوي اليوم جزءا من ألف من الدينار في العراق وغيره. يُنْظَر: المعجم الوسيط: (٢/ ٧٠٠).
(١٢) الفَتِيل السَّحَاة في شَقِّ النَّواة وما أَغنى عنه فَتِيلاً ولا فَتْلة ولا فَتَلة الإِسكان عن ثعلب، والفتح عن ابن الأَعرابي، أَي: ما أَغنى عنه مقدار تلك السَّحَاة التي في شَق النواة، وفي التنزيل العزيز: {ولا يُظلَمون فَتِيلاً} قال ابن السكيت: القِطْمير القشرة الرقيقة على النواة، والفَتِيل ما كان في شَق النواة، وبه سميت فَتِيلة. يُنْظَر: لسان العرب (٢/ ٣٧٣).
(١٣) في (ب) (والشعيرة ست نقيرات والنقيرة ثماني قطميرات).
(١٤) النقير النكتة التي في ظهر النواة وروي عن أبي الهيثُمَّ أَنه قال النَّقِيرُ نُقْرَةٌ في ظهر النواة منها تنبت النخلة. يُنْظَر: لسان العرب (٥/ ٢٢٧).
(١٥) القشرة الرقيقة على النواة كاللفافة لها، والشيء الهين الحقير، يقال: ما أصبت منه قطميرا. يُنْظَر: المعجم الوسيط: (٢/ ٧٤٧).
(١٦) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٢١١).
(١٧) هي: السنجمة، والجمع صنج وهي مايتخذ من صُفْر مدوراً يضرب أحدهما بالآخر. يُنْظَر: المعجم الوسيط: (١/ ٥٢٥)، المُغْرِب (١/ ٤٨٣).
(١٨) بلد معروف مشهور قيل: إنه من أبنية ذي القرنين بما وراء النهر، وهو قصبة الصغد مبنية على جنوبي وادي الصغد مرتفعة عليه. قال أبو عون: سمرقند في الأقليم الرابع طولها تسع وثمانون درجة ونصف وعرضها ست وثلاثون درجة ونصف، وقال الأزهري: بناها شمر أبو كرب، فسميت شمر كنت فأعربت فقيل سمرقند هكذا تلفظ به العرب في كلامها وأشعارها. يُنْظَر: معجم البلدان (٣/ ٢٤٦).