للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ اعلم بأنّ هذا على قولِ] بعض (١) المشايخ، وقال بعضُهم: يؤُخذ جميعُ ما في يده ِإِلاَّ قدر ما يُبَلِغُهُ إلى مَأْمنه؛ لأنَّا مأمورونَ بتبليغهِ إلى مَأْمنه، فلو أخذناه كلَّهُ يلزمنا أن ندفع إليه نفقةَ الطريقِ حتى يبلغَ، فلا فائدةَ في أخذِ الكُلِّ ثُمَّ الإعطاءُ، وقال بعضُهم: يُؤخذُ الكُلِّ؛ لأن ما يؤُخَذُ منهم بطريقِ المجازاةِ، فيجازيهم بمثل صنيعهم حتى ينزجروا (٢)، كذا في مبسوط شَيْخُ الإسْلَامِ (٣) (٤)، فحصلَ مِن هذا كلِّه أنَّ أحوالَ الأخذِ منهم لا يخلوا من الأوجهِ الأربعة، وهي القِسمةُ العقليةُ، وذلك إمّا أنْ نَعلَمَ ما يأخذونَ منَّا أو لا نَعْلَمَ، فإنْ عَلِمْنا فلا يخلو مِنْ وجوهٍ ثلاثة: إما أنْ يأخذوا الكُلَّ، أو لا يأخذوا أصلًا، أو يأخذوا البعضَ أو لا نعلمَ أصلًا، وهو الوجهُ الرابعُ، وكلُّ ذلك مذكورٌ في الكتابِ (٥).

[[كم مرة يعشر الحربي في العام؟]]

(وإنَ مرَّ الحربي على عَاشِرِِ فَعَشَّرهُ، ثُمَّ مَرّ مَرةٌ أخُرى لم يُعشِّرْهُ حتى يَحولَ الحولُ) (٦)، وإنْ مرِّ بعد الحولِ عَشّرَةُ ثانيًا، وأصلُ ذلك أنّ الْعُشْرِ إنما يتكررُ فيما يمرَّ به بكمالِ الحولِ أو بتجديدِ العهد، وِتجديدُ العهد إنما يكونُ بالرجوعِ إلى دارِ الحربِ، ثُمَّ بالمرور على عاشرٍ يَأخُذُ ثانيًا، وإنْ كان في يومهِ ذلك، وهو المسألةُ الثانيةُ بقوله، وإنْ عَشّرهُ فرجع إلى دارِ الحرب، وأمّا إذا لم يُؤخذ منهما شيء لم يُعَشّرْهُ ثانيًا لماِ رُويَ: "أنّ نصرانيًّا مرّ بفِرَسَ لهُ على عاشر عُمر -رضي الله عنه- فَعَشَرَهُ، ثُمَّ مرّ به ثانيًا، فَهَمَّ أنْ يعشرَهُ، فقالَ النصراني: كلما مررْتُ بِكَ عشَّرتني إذاً يذهبُ فرسي كلُّه، فأنزل الفرسَ عندهُ، وذهبَ إلى عمرَ رضي الله عنه فلما دخلَ المدينَة أتى المسجدَ، فوضعَ يديه على عتبتي الباب، فقال: يا أميرَ المؤمنينَ أنا الشيخُ النصراني، فقال أميرُ المؤمنينَ: أنا الشيخُ الحنيفي، فقصَّ النصراني القصةَ، فقالَ عُمر -رضي الله عنه-: أتاكَ الغوثُ، ثُمَّ نَكّسَ رأسَهُ، ورجعَ إلى ما كانَ فيه، فظنَّ النصراني أنه اسْتَخَفَ بظلامتهِ فرجعَ كالخائبِ، فلما انتهى إلى فرسهِ وجَد كتابَ عُمر -رضي الله عنه- قد سَبقهُ: أنَّكَ إنْ أخذتَ الْعُشْرِ مرةً، فلا تأخْذ مرةً أخرى، فقال النصراني: إنَّ دِينًا يكونُ العدلُ بهذه الصفة لحقيقٌ أنْ يكونَ حقًّا فَأسْلَمَ، ثُمَّ قالَ: حتى يحولَ الحولُ" (٧).


(١) لفظة (بعض) سقط في ب.
(٢) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٢٩).
(٣) هو كتاب المَبْسُوط لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله ويطلق عليه الأصل عند الأحناف وهو مطبع في خمس مجلدات بتحقيق أبو الوفا الأفغاني طبعته إدارة القرآن والعلوم الإسلامية في كراتشي.
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (٢/ ١٠٦).
(٥) يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص ٥٩).
(٦) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٥).
(٧) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٢٩).