للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[لا يصح عفو الولي بعد السراية]]

ألا ترى أنَّه بعد السِّراية لو قال الولي: عفوتك عن اليد لم يصح، فكذلك قبل السراية ولو قال المجني عليه: عفوتك عن القتل ثم اقتصر لم يصح.

وكذلك إذا قال: عفوتك اليد فسرى. فإن قلت: يشكل هذا بما قال (١) في الجامع الصغير: هو أن عبدا لو قطع (٢) يد إنسان فصالح مولاه عن القطع على أن يدفع [عن] (٣) العبد إليه فأعتقه المجني عليه ثم مات فإنَّ العتق نافذ والعبد صلح بالجناية، فلما كان الصلح عن القطع صلحاً عن السراية (٤) فكذلك العفو وكذلك قال في الجامع الكبير: لو ادَّعى رجل على رجل شجَّة مع السراية وشهد له شاهدان (٥) أحدهما بالشجَّة والآخر بها وبالسِّراية تقبل شهادتهما على الشجَّة ولو لم تكن الشجَّة حقه بعد السِّراية لما قبلت الشَّهادة لاختلاف الشَّاهدين في المشهود به.

[[الإذن بقطع اليد]]

وكذلك مسألة الإذن بقطع اليد فقطعه المأمور ثم سرى القطع لا يضمن القاطع يدل على أنَّ اسم القطع يتناول السَّاري وكذلك عدم وجوب القصاص في النَّفس فيما إذا عفى عن القطع يدل على أنَّ العفو عن القطع عفو عمَّا يحدث عنه؛ لأنَّه لو جعل عفواً عن القطع لا غير لوجب القصاص؛ لأنَّه ظهر أنَّه عفى عمَّا ليس بحق له.

قلت: في مسألة الجامع الصَّغير لو لم يعتق العبد حتى سرى فالصُّلح باطل والقصاص واجب عند أبي حنيفة -رحمه الله- قيل: ما ذكر هناك جواب القياس وقيل: بل أبو حنيفة -رحمه الله- يفرق ويقول هناك الصلح مضاف إلى العبد والعبد ليس بسبب لثبوت حقه في النفس وهنا العفو يلاقي المعفو وهو القطع أو الشجة وهو سبب لثبوت حقه في النفس فيصير ذلك شبهة في إسقاط القود.

وأمَّا مسألة الجامع فقيل: إنها قول محمد -رحمه الله- ثم إنما يتبين أنَّ الحق في النَّفس إذا ثبتت السراية ولم تثبت لأنَّ الشَّاهد بها واحد وبدون السِّراية الحق في الشَّجة وقد اتفق الشَّاهدان عليه فتقبل شهادتهما في الشجَّة لذلك (٦).

وأمَّا مسألة الإذن بقطع اليد فإنَّما سقط الضمان عن القاطع هناك؛ لأنَّه لما قطع يده بأمره انتقل الفعل إليه فصار في التقدير كأنَّه قطع يد نفسه ولو قطع يد نفسه بنفسه ومات لم يضمن أحد فكذا هنا والدَّليل على أنَّه بهذا الطَّريق انتفاء الضَّمان عن القاطع؛ لأنَّه لو جعل هذا إذناً بما يحدث منه لكان إذناً بالقتل حينئذ وفيه تجب الدية على القاطع إذا مات كما لو قال: اقتلني فقتله فإن هناك تجب الدية على القاتل وجبت (٧) انتفى الضمان هنا علمنا (٨) أنَّه أذن بالقطع وأمَّا عدم وجوب القصاص فإنَّ العفو وإن بطل معنى من [حيث] (٩) أنَّ القطع صار قتلاً لكنه بقي صورة القطع (١٠) فكان العفو معتبراً من حيث الصُّورة وذلك يكفي في درء ما يندرئ بالشبهات.


(١) وفي (ب) (قلت).
(٢) وفي (ب) (عند القطع).
(٣) سقط في (ب).
(٤) وفي (ب) (الجناية).
(٥) وفي (ب) (الشاهدان).
(٦) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٥٥ - ١٥٧).
(٧) وفي (ب) (وحيث) وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٨) وفي (ب) (علم).
(٩) زيادة في (ب).
(١٠) وفي (ب) (القتل).