للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل معنى الآية هو: الرجل يشتمك فتشتمه ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه كذا ذكره الإمام التَّمَرْتاشِيِّ -رحمه الله- (١).

(فَكَانَ العَفْوُ عَنْهُ (٢) أي: عن القطع (عَفْواً عَنْ نَوْعَيْهِ (٣) وهما: الاقتصار والسراية، فينصرف العفو إليهما كما [لو] (٤) قال المغصوب منه للغاصب: أبرأتك عن الغصب، يكون ذلك إبراء عن الضَّمان الواجب بالغصب وهو رد العين عند قيامه ورد القيمة بَعدَ هلاكها.

وكذلك المشتري إذا أبرأ البائع عن العيب يكون ذلك إبراء عن موجب العيب وهو الرد عند الإمكان والرجوع بالنقصان عند تعذُّر الرد؛ ولأنَّ اسم القطع يتناول السَّاري حتى أن من قال لغيره: اقطع يدي فقطع يده ثم سرى إلى النفس لا يضمن القاطع كذا ذكره شيخ الإسلام (٥).

(بَلِ السَّارِي قَتْلٌ مِنَ الابْتِدَاءِ (٦)؛ لأنَّ القتل فِعلٌ مُزهق للرُّوح ولما انزهق الروح عقيب هذا الفعل عرفنا أنه كان قتلاً ولهذا صحَّ العفو بلفظ الجناية، لأنَّ اسم الجناية: يتناول القتل وما دونه (وَكَذَا لا مُوْجِبَ لَهُ (٧) أي: للسَّاري، أي: القطع بطريق القصاص ليس بموجب للقطع السَّاري (مِن حَيْثُ كَوْنِهِ قَطْعاً (٨) فَلا يَتَنَاوَلُهُ العَفْوُ (٩) أي: فلا يتناول القطع الساري مجرَّد العفو عن القطع (١٠) مطلقاً، وذلك لأنَّ المعتبر في الجنايات ماء لها (١١).

ألا ترى أنَّ أصل الفعل قد لا يكون موجباً للقصاص وبالسِّراية يتبين أنه كان موجباً وقد يكون أصل الفعل موجباً للقصاص وبالسِّراية يتبين أنه كان غير موجب، كما لو (١٢) قطع يده من المفصل فسرى إلى نصف السَّاعد وباعتبار المآل هنا يتبيَّن أنَّه لم يكن له حق في اليد.


(١) يُنْظَر: أحكام القرآن؛ للجصاص (٣/ ٢٨١)، تفسير ابن كثير (١/ ٥٧٢).
(٢) الهداية شرح البداية (٤/ ١٧١).
(٣) الهداية شرح البداية (٤/ ١٧١).
(٤) زيادة في (ب).
(٥) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٥٥).
(٦) الهداية شرح البداية (٤/ ١٧١).
(٧) الهداية شرح البداية (٤/ ١٧١).
(٨) وفي (ب) (قتلا).
(٩) الهداية شرح البداية (٤/ ١٧١).
(١٠) وفي (ب) (القتل).
(١١) وفي (ب) (مآلها)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(١٢) وفي (ب) (إذا).