للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: في سبب خروجهم أنَّ عليًا -رضي الله عنه- لما حكَّم أبا موسى الأشعري (١) بينه وبين معاوية، خَرجت طائفة مِن المسلمين على علي -رضي الله عنه- وقالوا: القتال واجِبٌ بالنص، وعلي تَركَ القتال بالتّحكيم، فأرسَل علي عبدالله بن عباس ليكشِف شبهَتهم، فلمَّا ذكروا شبهتهم قال ابن عباس: هذه الحادثة ليست بأدنى من بَيض الحمام، وفيه التحكيم بقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥]، فكان تحكيمُ عليٍّ موافقًا للنصّ، فألزمهم الحجة عليهم، فتاب البعض وأصرَّ قوم على ذلك.

"حروراء"، بفَتح الحاء المهملة يُمد وُيقصر: قرية بالكوفة كان بها أوّل تحكيم الخوارج واجتماعهم (٢)؛ كذا في الصّحاح والمغرب.

قوله: (المعروف بخواهر زاده) وهو خواهر زاده القاضي الإمام أبي ثابت.

[[اعتزال الفتنة]]

" والمروي عن أبي حنيفة هو ما رَوى الحسن عَن أبي حنيفة أنّ الفتنة إذا وَقَعت بين المسلمين، فالواجب على كلِّ مسلم أنْ يعتزِل الفتنةَ، ويقعد في بيتِه لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "من فرّ من الفتنة أعتق الله رقبته من النار" (٣)، وقال -عليه الصلاة والسلام- لواحد من الصحابة (٤) في الفتنة: "كُنْ حِلْسًا مِن أحلاس بيتك، فإنْ دخل عليك فكُن عبدالله المقتول أو عندالله" (٥) معناه: كُن ساكنًا إلى بيتك لا قاصدًا، فإنْ كان المسلمون (٦) مجتمعين على إمام، وكانوا آمنين به والسُّبل آمنة فخرج عليه طائفة مِن المؤمنين فحينئذٍ يجب على كل من يقوى على القتال أنْ يقاتل مَع إمام المسلمين الخارجين لقوله تعالى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحُجُرات: ٩]. والأمر حقيقة للوجوب؛ ولأنّ الخارجين قصدوا أذى المسلمين، وإماطة الأذى مِن أبواب الدِّين؛ وخروجهم معصية ففي القيام بقتالهم نَهيٌ عن المنكر وإنَّه فَرض" (٧)، كذا في المبسوط.


(١) في (أ) زيادة "أنّ أبا موسى".
(٢) ينظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (٢/ ٦٢٨)، ينظر المغرب في ترتيب المعرب (ص: ١١١).
(٣) كذا أورده السرخسي في المبسوط (١٠/ ١٢٤)، ولم أقف على من خرّجه أو ساق له سندًا.
(٤) في (ب) "أصحابه".
(٥) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الفتن، باب النهي عن السعي في الفتنة، برقم (٤٢٥٨) ٦/ ٣١٤، عن ابنِ مسعودٍ، قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: فذكر بعض حديثِ أبي بَكرة، قال: "قتلاها كلُّهم في النارِ" قال فيه: قلتُ: متى ذلك يا ابنَ مسعود؟ قال: تِلكَ أيامُ الهَرْجِ حيثُ لا يأمنُ الرَّجُلُ جليسَه، قلتُ: فما تأمُرُني إن أدركني ذلك الزمانُ؟ قال: تكفُّ لِسَانَكَ ويدكَ، وتكونُ حِلْسًا مِن أحلاسِ بيتِك، فلما قُتِلَ عثمانُ طار قلبي مَطارَهُ، فركبتُ حتى أتيتُ دمشقَ، فلقيتُ خُريم بنَ فاتِكٍ الأسَديَّ فحدَّثته، فحلفَ بالله الذي لا إله إلا هو لسمعهُ من رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- كما حدَّثنيه ابنُ مسعودٍ. قال ابن الأثير: في سنده القاسم بن غزوان، لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات. جامع الأصول (١٠/ ١٣).
(٦) في (ب) "المسلمين".
(٧) المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٢٤)