للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قال مشايخنا رحمهم الله: العالم إذا صار مرجعًا/ في الفتوى يجوز له ترك سائر السنن لحاجة الناس إلى فتواه إلا سنة الفجر، فالابتداء بما هو الأقوى أولى (١). وأما وجه ما ذكر في «المبسوط» (٢) فلأن سنة الظهر تبع لصلاة الظهر، وأول صلاة فرضت على النبي عليه السلام صلاة الظهر، فلذلك بدأ محمد بن الحسن رحمه الله «الجامع الصغير» في ترتيبه بذكر صلاة الظهر، فذكر ما هو الأولى أولى في التناسب، وإن كان هو أدنى في درجة من غيره كما في تقديم ذكر الطهارة على ذكر الصلاة، وذكر الإمام التمرتاشي: وفي «اللآلئ» ترك الأربع قبل الظهر، أو التي بعده أو ركعتا الفجر لا تلحقه الإساءة؛ لأن محمد أسماه تطوعًا إلا أن يستخف به، ويقول: هذا فعل النبي عليه السلام، وأنا لا أفعل، حينئذ يكفر (٣). وفي «النوازل»: ترك سنن الصلوات الخمس إن لم يرها حقًّا كفر، وإن رآها وترك قيل: لا يأثم، والصحيح: أنه يأثم لأنه جاء الوعيد بالترك (٤).

[[ترتيب السنن]]

ثم ذكر ترتيب السنن، فقال: وذكر الحلواني رحمه الله: أقوى السنن ركعتا الفجر، ثم سنة المغرب، فإن النبي عليه السلام لم يدعهما في سفر ولا حضر، ثم التي بعد الظهر، فإنها سنة متفق عليها، وفي التي قبلها مختلف فيها، وقيل: وهي للفصل بين الأذان والإقامة، ثم التي بعد العشاء، ثم التي قبل الظهر، ثم التي قبل العصر، ثم التي قبل العشاء، وذكر الحسن رحمه الله، واختلف في أقواها بعد ركعتي الفجر، قيل: التي قبل الظهر، والتي بعدها، والتي بعد المغرب كلها سواء، وقيل: بل التي قبل الظهر آكد، وهو الأصح (٥). وذكر (٦) الحلواني: الأفضل أن يؤدي كله في البيت إلا التراويح؛ لأن في التراويح إجماع الصحابة، ومنهم من قال: يجعل بعض ذلك أحيانًا في البيت. والصحيح: أن كل ذلك سواء، ولا يختص الفضيلة بوجه دون وجه، ولكن الأفضل ما يكون أبعد من الرياء، وأجمع للإخلاص والخشوع (٧). وفي

«اللآلئ» (٨): صلى المغرب في المسجد، وخاف أن يرجع إلى منزله يشغل بشيء يصلي في المسجد السنة، وإن لم يخف صلاها في المنزل للحديث: «خير صلاة الرجل في المنزل إلا المكتوبة» (٩). وذكر (١٠) الحلواني رحمه الله: ولا بأس بأن يقرأ بين الفريضة والسنة الأوراد (١١). وفي «شرح الشهيد» رحمه الله: القيام إلى السنة متصلًا بالفرض مسنون (١٢)، وفي «الشافي»: كان عليه السلام إذا سلم كان يمكث قدر ما يقول: «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» (١٣)، وكذلك عن البقالي (١٤)، ولم يمر بي (١٥) لو تكلم بعد الفريضة هل تسقط السنة؟ قيل: تسقط، وقيل: لا، ولكن ثوابه أنقص من ثوابه قبل التكلم (١٦).


(١) انظر: البحر الرائق: ٢/ ٥١.
(٢) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٢٨٥.
(٣) انظر: شرح فتح القدير: ١/ ٤٣٩، وبدائع الصنائع: ١/ ٢٧٦.
(٤) انظر: شرح فتح القدير: ١/ ٤٣٩، والبحر الرائق: ٢/ ٥٢.
(٥) انظر: تبيين الحقائق: ١/ ١٧٢، والجوهرة النيرة: ١/ ٧٢.
(٦) في ب زيادة شمس الائمة
(٧) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٤١، والفتاوى الهندية: ١/ ١١٣.
(٨) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٦٥.
(٩) رواه البخاري في صحيحه (٦٩٨)، كتاب الأذان، باب صلاة الليل. ومسلم في صحيحه (٧٨١)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته. من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.
(١٠) في ب زيادة شمس الاسلام
(١١) انظر: البحر الرائق: ٢/ ٥٢.
(١٢) انظر: البحر الرائق: ٢/ ٥٢.
(١٣) رواه مسلم في صحيحه (٥٩١)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، من حديث ثوبان رضي الله عنه.
(١٤) هو: محمد بن أبي القاسم بن بايجوك البقالي الخوارزمي الآدمي النحوي أبو الفضل، فقيه حنفي، الملقب زين المشايخ. قال ياقوت: كان إماماً في الأدب، وحجة في لسان العرب، أخذ اللغة والإعراب عن الزمخشري وجلس بعده مكانه، وسمع الحديث منه ومن غيره. وله من التصانيف: "مفتاح التنزيل"، "الإعجاب في الإعراب"، "شرح أسماء الله تعالى"؛ وغير ذلك. مات في سلخ جمادى الآخرة سنة اثنتين وستين وخمسمائة عن نيف وسبعين سنة.
(طبقات المفسرين للسيوطي: ص ١٠٢)، و (بغية الوعاة: ١/ ٢١٥)، و (الأعلام للزركلي: ٦/ ٣٣٥).
(١٥) في ب يمرني بدل من يمربي
(١٦) انظر: البحر الرائق: ٢/ ٥٢، ٥٣.