للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باب الأيمان (١) في الطلاق (٢)

لمّا فرغ من بيان تنجيز الطّلاق وهو الأصل صريحًا كناية، شرع في بيان تعليقه وهو الفرع؛ إمّا لأنّه مركب بذكر الطّلاق وحرف الشّرط والمركّب فرع على المفرد، أو لأنّه ليس بعلة في الحال بعروض حرف الشّرط والأصل عدم العروض.

ثم اعلم أنّ اسم اليمين كما يقع على الحلف بالله تعالى، فكذلك يقع على ذكر شرط وجزاء، فالمعنى من الشّرط هو ما ذكر فيه حرف (أن) وغيره على ما يجيء، والمعنى من الجزاء ما هو الحكم المعلّق به من طلاق أو عتاق، وإنّما سمّى هذا باليمين لما أنّ اليمين لغة عبارة عن القوة.

قال الشّاعر:

إن المقادير بالأوقات نازلة … ولا يمين على دفع المقادير

أي لا قوّة وسميت اليد اليمنى يمينًا لاختصاصها بزيادة قوّة، ثم أنّ الله تعالى خلق الإنسان على طبائع مختلفة وسجاياً معينة مضطرب الحال منقلب البال، فربما لا يثبت على ما يقصده من أفاضل الأمور، ولا يمتنع عمّا يهواه نفسه من مواضع الشّرور، فيتقوى تارة على حمل نفسه على تلك الأفاضل أو على منعها من تلك الأباطل بذكر اسم الله تعالى؛ الذي يلزم منه المكروه على تقدير هتك حرمته وزوال سداده، أو بذكر الشرط الذي يلزم منه على تقدير حنثه زوال سكنه وفوات وداده، فلما سمّى ذكر اسم الله تعالى إذا ذكر على وجه الحمل أو المنع يمينًا سمّى به أيضاً ذكر شرط وجزاء، لوجود معنى الحمل (٣) أو المنع فيه على ما ذكرنا، أضَاف الطَّلَاق إِلَى النِّكَاح إلى آخره، وحاصل هذا أن ما يحتمل التّعليق بالشَّرْطِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ يجوز إضافته إلى الملك عمّ أو خصّ، وهو قول عمر -رضي الله عنه- روي ذلك عنه في الظّهار، وعند الشّافعي (٤) - رحمه الله - لا يصحّ، وهو قول ابن عبّاس (٥) -رضي الله عنه-، فإنّه سئل عمّن يقول لامرأة: إن تزوّجتك فأنت طالق، قيل: قوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} (٦) الآية، قد شرع الله الطّلاق بعد النكاح، فلا طلاق قبله، وعلى قول ابن أبي ليلى -رحمه الله- إن خصّ امرأة أو قبيلة انعقدت اليمين، وإن عم فقال: كلّ امرأة لا ينعقد، وهو قول ابن مسعود -رضي الله عنه- لما فيه من سدّ باب نعمة النكاح على نفسه، واستدلّ الشّافعي-رحمه الله- لقوله -عليه السلام-: «لا طلاق قبل النكاح» (٧).


(١) وَالْيَمِينُ فِي الطَّلَاقِ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْلِيقِهِ بِأَمْرٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ، سُمِّيَ يَمِينًا مَجَازًا لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ. انظر: العناية شرح الهداية (٤/ ١١٤).
(٢) زيادة في (ب).
(٣) زيادة في (ب).
(٤) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٩٦).
(٥) يُنْظَر: مصنف عبدالرزاق (١١٤٦٨).
(٦) [الأحزاب: ٤٩].
(٧) أخرجه ابن ماجه في سننه (أبواب الطلاق/ بَابٌ: لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ/ ٢٠٤٩)، البيهقي في السنن الكبرى (كتاب الخلع والطلاق/ بَابُ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ/ ١٤٨٦٩)، والحديث صحيح. انظر: صحيح الجامع الصغير وزيادته (٢/ ١٢٥٠).