للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[ثبوت الإذن من الأب والقاضي]]

ثم يثبت الإذن من الأب بالصريح (١) والدلالة (٢)، ولا يثبت من القاضي إلا بالصريح، قلتُ: لأن الإذن من القاضي قضاء، والقضاء لا يثبت بالسكوت (٣)؛ وكذلك رجحان إذن القاضي عند إباء الأب، فهذا المعنى أيضًا؛ وذلك لأن القاضي إذا أذن فرأى المصلحة في الإذن، والإذن مما ينتفع به الصبي؛ لأنه يهتدي بذلك إلى التجارة؛ وإذا طلب من الأب الإذن وأبى الأب صار الأب عاضلًا (٤) له، وانتقلت الولاية إلى القاضي بسبب العَضَل (٥) كالولي في باب النكاح إذا عَضَل (٦)، فإنه تنتقل الولاية إلى القاضي لهذا؛ لأن النكاح حق المرأة قبل الولي، فإذا امتنع الولي عن الإيفاء نُقلت الولاية إلى القاضي إيفاءً لحق المرأة. كذا ههنا. كذا في الفصل العاشر من مأذون «الذخيرة» (٧).

فإن قلتَ: في إثبات الإذن للعبد في التجارة عند سكوت الموْلَى إذا رأى عبده يبيع ويشتري وجوه من الشُبْهة:

أحدهما: أن هذا التصرف الذي باشره العبد من البيع لا يصح في حقه الإذن حتى لم يصح ذلك البيع، فلمَّا لم يصح الإذن في عين ذلك التصرف فكيف يثبت في غيره؟ وكذلك إذا رأى أجنبيًّا يبيع عينًا من/ أعيان ماله فسكت، لا يصير مأذونًا ببيع ذلك العين، وكذلك المرتهن (٨) إذا رأى الراهن (٩) يبيع ذلك الرهن (١٠) فسكت ولم ينهه عن البيع لا يصير إذنًا له في البيع، وكذلك إذا رأى عبده يتزوج أو رأى أَمَتَه تٌزوِّج نفسها فسكت (١١) ولم ينهها عن ذلك لا يصير إذنًا لها في النكاح، ففي هذه المسائل لا يكون السكوت إذنًا، لا في نفس ذلك التصرف ولا في غيره سِوى المسألة الأولى يكون السكوت (١٢) إذنًا في غير ذلك التصرف، مع احتياجه إلى الفرق؛ ولأن سكوته يحتمل؛ قد يكون للرضا بتصرفه، وقد يكون لِفَرْطِ الْغَيْظِ (١٣)، وقلة الالتفات إلى تصرفه لعلمه أنه محجور عن ذلك شرعًا، والمُحتمل لا يكون حجة (١٤)؛ كمن رأى إنسانًا يُتلف ماله فسكت لا يسقط الضمان (١٥) بسكوته (١٦) (١٧).


(١) الصريح: هُوَ كل لفظ مَكْشُوف الْمَعْنى وَالْمرَاد حَقِيقَة كَانَ أَو مجَازًا. أصول الشاشي (ص: ٦٤)، أصول السرخسي (١/ ١٨٧).
(٢) الدلالة: كون اللفظ يلزم من فهمه فهم شيء آخر. الإبهاج (١/ ٢٠٤)، نهاية السول (ص: ٨٤).
(٣) انظر: مجمع الأنهر (٢/ ٤٤٦)، حاشية ابن عابدين (٦/ ١٥٧).
(٤) العَضَلَ: مَنَعَهَا مِنَ التَّزْوِيجِ. مختار الصحاح مادة (ع ض ل) (ص: ٢١١).
(٥) في (أ) (الفضل) وما أثبت هو الصحيح. انظر: حاشية الشِّلْبِي (٥/ ٢٢٠).
(٦) قال الشِّلْبِي: (لِأَنَّ الْإِنْكَاحَ مِنْ الْكُفْءِ حَقُّ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْوَلِيِّ فَإِذَا امْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْإِيفَاءِ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْقَاضِي) تبيين الحقائق (٥/ ٢٢٠).
(٧) انظر: تبيين الحقائق (٥/ ٢٢٠)، حاشية ابن عابدين (٦/ ١٧٥).
(٨) الْمُرْتَهِنُ: الَّذِي يَأْخُذُ الرَّهْنَ. الصحاح مادة (ر هـ ن) (٥/ ٢١٢٩).
(٩) الرَّاهِنُ: هُوَ صَاحِبُ الْمَالِ. طلبة الطلبة مادة (غ ل ق) (ص: ١٤٧).
(١٠) الرَّهن لغةً: مطلق الحبس. المصباح المنير مادة (ر هـ ن) (١/ ٢٤٢) وشرعًا: جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ. الهداية (٤/ ٤١٢)، حاشية ابن عابدين (٦/ ٤٧٧)، أنيس الفقهاء (ص: ١٠٧).
(١١) سقطت في (ع).
(١٢) سقطت في (ع).
(١٣) الْغَيْظُ: غَضَبٌ كَامِنٌ لِلْعَاجِزِ. مختار الصحاح مادة (غ ي ظ) (ص: ٢٣٢)، المصباح المنير مادة (غ ي ظ) (٢/ ٤٥٩).
(١٤) لأن المحتمل لا يكون في العلم القطعي، بل في المختلف فيه. انظر: أصول السرخسي (٢/ ١٤٥)، كشف الأسرار (٢/ ٣٨١).
(١٥) الضمان لغةً: هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ فِي شَيْءٍ يَحْوِيهِ. مقاييس اللغة (٣/ ٣٧٢)، واصطلاحًا: هُوَ إعْطَاءُ مِثْلِ الشَّيْءِ إنْ كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ. مجلة الأحكام العدلية (ص: ٨٠) (الْمَادَّةُ ٤١٦).
(١٦) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ١٢)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٤٦)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٠٤).
(١٧) يٌشير إلى قاعدة: (لا ينسب إلى ساكت قول) انظر: البرهان (١/ ٢٧١)، كشف الأسرار (٣/ ٢٢٩)، المحصول للرازي (٤/ ١٥٦)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: ١٢٩).