للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ الشَّيْخُ -رحمه الله-: نَظِيرُ هَذَا مَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِعَمَّارٍ: «إِنْ عَادُوا فَعُدْ» (١) أَيْ إِنْ عَادُوا إِلَى الْإِكْرَاهِ؛ فَعُدْ إِلَى تَخْلِيصِ نَفْسِكَ، لَا لِسَبِّ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَعْنِي بِهِ نَظِيرَهُ مِنْ حَيْثُ (٢) أَنَّ الْعُدُولَ بِالضَّمِيرِ مِنَ الظَّاهِرِ، إِلَى مَدْلُولِ الظَّاهِرِ، لِنُبُوَّةِ الْمَعْنَى فِي الرَّدِّ إِلَى الظَّاهِرِ.

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ أَصْلِيَّةٍ)

لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ الأصل؛ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِإِقَامَةِ سُنَّةِ الصَّوْتِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ أَمَرَهُ عَلَّلَ فَقَالَ: «إِنَّهُ أَنْدَى لِصَوْتِكَ».

[كراهةُ التثويبِ في سائرِ الصلوات]

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَكَرِهَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ) (٣)

لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا -رضي الله عنه- رَأَى مُؤَذِّنًا يُثَوِّبُ فِي الْعِشَاءِ؛ فَقَالَ: أَخْرِجُوا هَذَا الْمُبْتَدِعَ مِنَ الْمَسْجِدِ (٤) وَلِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ (٥)؛ قَالَ: دَخَلَتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ (٦) -رضي الله عنهما- مَسْجِدًا، فَصَلَّى (٧) فِيهِ الظُّهْرَ فَسَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يُثَوِّبُ فَغَضِبَ، وَقَالَ: قُمْ حَتَّى نَخْرُجَ مِنْ عِنْدِ هَذَا الْمُبْتَدِعِ (٨)، فَمَا كَانَ التَّثْوِيبُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَّا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ؛ تُؤَدَّى فِي حَالِ نَوْمِ النَّاسِ، وَلِهَذَا (٩) خُصَّتْ بِالتَّطْوِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ، فَخُصَّتْ أَيْضًا بِالتَّثْوِيبِ؛ فِي أَذَانِهَا لِكَيْلَا يُفَوِّتُ النَّاسُ الْجَمَاعَةَ، وَهَذَا الْمَعْنَى؛ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ " (١٠).


(١) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٢/ ٣٨٩) في كتاب "التفسير" باب "تفسير سورة النحل" حديث رقم (٣٣٦٢)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٢٠٨) كتاب "المرتد"، باب "المكره علي الردة". قال أبو عبدالله الحاكم في "المستدرك" (٢/ ٣٨٩): (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه).
(٢) (من حيث): ساقطة من (ب) ..
(٣) يُكْرَهُ التَّثْوِيبُ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. انظر: "المجموع شرح المهذب؛ للنووي " (٣/ ٩٧).
(٤) ذكر هذا الأثر الإمام السرخسي -رحمه الله- في " المبسوط" (١/ ١٣٠ - ١٣١).
(٥) مجاهد: هو مجاهد بن جبر، ويكنى أبا الحجاج مولى قيس بن السائب المخزومي. مولده سنة ٢١ هـ وكان من العباد، والمتجردين في الزهد مع الفقه والورع مات بمكة وهو ساجد سنة ١٠٣ هـ. انظر "الطبقات الكبرى لإبن سعد " (٦/ ١٩)، "مشاهير علماء الأمصار لابن حبان " (ص: ١٣٣)، " أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير " (٥/ ٣٨٦).
(٦) بن عمر: هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. كان مولده قبل الوحي بسنة، وأمه زينب بنت مظعون وكان إسلامه بمكة مع أبيه عمر بن الخطاب ولم يكن بلغ يومئذ. وهاجر مع أبيه إلى المدينة. وكان يكنى أبا عبد الرحمن. توفي بمكة وهو حاج سنة ٧٣ هـ وبها دفن. انظر: " الطبقات الكبرى لإبن سعد " (٤/ ١٠٦) " مشاهير علماء الأمصار لابن حبان" (ص: ٣٧)، " تاريخ بغداد للخطيب البغدادي " (١/ ٥١٩) " أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير " (٣/ ١٩٦).
(٧) في (ب): (نصلي).
(٨) أخرجه عبد الرزاق في"مصنفه" (١/ ٤٧٥)، كتاب الصلاة، باب التثويب في الأذان، والإقامة، حديث (١٨٣٢)، وأخرجه أبي داود في "سننه" (ص ٨٢)، كتاب الصلاة، باب في التثويب، حديث (٥٣٧)، وأخرجه الترمذي في "سننه" (١/ ٢٧٢)، أبواب الصلاة، باب ما جاء في التثويب في الفجر.
(٩) في (ب): (وبهذا).
(١٠) "المبسوط" للسرخسي (١/ ١٣٠ - ١٣١). وانظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي " (١/ ٢٤٥) و " البناية شرح الهداية للعيني " (٢/ ١٠٠).