للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[في شهادة الغرماء والأوصياء]

«وإذا شهد الرجلان أنَّ أباهما أوصى إلى فلان والوصي يدعي، فهو جايز» (١)، ههنا خمس مسائل: الغريمان لهما على الميت دين، والغريمان للميت عليهما دين، والموصي لهما، والموصي إليهما، والوارثات، وشهد كل فريق أنَّ الميت أوصى إلى هذا، وهو يطلب ذلك جازت الشَّهادة استحساناً، وفي القياس لا تقبل، وإن أنكر الوصي ذلك لم يجز؛ قياساً واستحساناً (٢).

«وجه القياس أنَّها شهادة للشاهد» (٣)؛ أي: أن شهادة هذا الشَّاهد شهادة لنفسه، تعود منفعة هذه الشَّهادة إلى نفسه، وهو استحقاق الميراث ونصب من يقوم بإحياء حقوقه، فكانت هذه الشَّهادة شهادة لمتهم، فلا تقبل؛ لقوله- صلى الله عليه وسلم -: «لا شهادة لمتهم» (٤).

[وجه القياس] (٥) على ما لو شهدا أنَّ أباهما وكَّله بقبض ديونه بالكوفة، وادعى الوكيل أو أنكر لم تجز شهادتهما (٦).

«وجه الاستحسان» (٧): أن هذه الشَّهادة ليست شهادة في الحقيقة حتى لا تقبل بالتهمة؛ لأنَّ الشَّهادة الحقيقيَّة هي التي توجب على القاضي في الحكم ما لم يكن واجباً عليه، وهذه الشَّهادة ليست كذلك؛ فإنَّ القاضي كان يملك نصيب الوصي إذا كان الموت ظاهراً في مال الميت من غير شهادة كي لا يضيع ماله، فعند قيام الشَّهادة أولى؛ لأنَّ من زَعمِ الشُّهود أن هذا الرجل مختار الميت، ومن ينصبه القاضي ليس بمختار الميت؛ ثم لما جاز للقاضي نصب الوصي مع أنَّه ليس بمختار الميت؛ لأن يكون له ذلك إذا كان مختار الميت أولى، بخلاف مسألة الوكالة، فإن ثمَّة ليس للقاضي أن ينصب على الغائب خصماً من غير شهادة؛ فلا يكون له ذلك أيضاً بشهادة الشُّهود [إذا] (٨) تمكَّنت التهمة فيها.

وقد ذكرنا أنَّ الشَّهادة إذا كانت شهادة على الحقيقة لا تقبل عند التهمة، وهناك كذلك؛ لأنَّ بهذه الشَّهادة يلزم على القاضي ما لم يكن لازماً قبل الشَّهادة، فترد عند التهمة.

فإن قيل: هذا [ينتقض] (٩) بالوصيَّين، فإنَّه إذا كان للميت وصيان فالقاضي لا يحتاج إلى أن ينصب على الميت وصياً آخر، فإذا لم يكن له ذلك من غير شهادة يجب أن يكون كذلك عند أداء الشَّهادة إذا تمكنت التهمة فيها، ومع ذلك يتمكن القاضي من القضاء بشهادة الوصيين على/ أنَّ الميت أوصى إلى هذا الثالث معنا، لما أنَّ هذه إحدى صور المسائل الخمس.


(١) الهداية (٣/ ١٢٤).
(٢) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٦٠ - ١٦١).
(٣) الهداية (٣/ ١٢٤).
(٤) سبق تخريجه، ص (١٤٨).
(٥) في «س»: [والقياس].
(٦) ينظر: الجامع الصغير (١/ ٣٩٠).
(٧) قال في الهداية (٣/ ١٢٤): «وجه الاستحسان أنَّ للقاضي ولاية نصب الوصي إذا كان طالباً والموت معروف، فيكفي القاضي بهذه الشهادة مؤنة التَّعيين لا أن يثبت بها شيء فصار كالقرعة».
(٨) في «س»: [إذ].
(٩) في «ج»: [منقض].