للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: القاضي وإن كان لا يحتاج إلى نصب الوصي؛ لكن الموصى إليهما متى شهدا بذلك كان من زعمهما أنَّه لا تدبير لنا في هذا المال إلا بالثَّالث، فأشبه من هذا الوجه ما لم يكن ثمَّة وصي، وهناك تقبل الشَّهادة، فكذا هنا (١). إلى هذا أشار الإمام المحبوبي - رحمه الله - وغيره.

«فصار كالقرعة»: يعني أنَّ القرعة ليست بحجَّة، ومع هذا يجوز استعمالها في تعيين الأنصباء؛ لدفع التهمة عن القاضي، فصلحت القرعة دافعةً لا موجبةً، فكذلك هذه الشَّهادة تدفع عن القاضي مؤنة التَّعيين، لا أن توجب شيئاً على القاضي، وهو لم يكن عليه (٢).

«والوصيان إذا أقرَّا أنَّ معهما ثالثاً … » (٣) إلى آخره، هذا هو جواب الإشكال الذي ذكرناه، وجوابه مفسراً، «فتكون الشَّهادة هي الموجبة» فتردُّ للتهمة، لما قلنا: أنَّه شهادة للشَّاهد نفسه.

«وفي الغريمين للميت عليهما دين تقبل الشَّهادة، وإن لم يكن الموت معروفاً» (٤)؛ أي: ليس للقاضي نصب الوصي في هذه الصور عند عدم ظهور موت الموصي، وانعدام الشَّهادة، [فكذا] (٥) بشهادة تمكنت منها التهمة، إلا في الغريمين للميت عليهما دين، فإن شهادتهما تُقبل على الموت والوصية؛ إذ ليس في هذه الشَّهادة تهمة؛ فإنَّ ضررها في ذلك أكثر من نفعها؛ فكانت شهادة على أنفسهما، وشهادة الإنسان على نفسه مقبولة (٦).

«ولا يسمع القاضي الشَّهادة على جرح ولا يحكم بذلك» (٧)، فإن قيل: ما الفائدة في قوله: «ولا يحكم بذلك»، فإنَّه يستفاد من قوله: «ولا يسمع القاضي الشَّهادة على جرح».

قلنا: يمكن أن يقال: لا يسمع؛ ولكن يحكم بعلمه، وههنا لا يسمع الجرح المجرد، ولا يحكم بأن الشُّهود فسقه، فلما تصور الانفكاك في الجملة أورده للتَّأكيد.


(١) ينظر: العناية شرح الهداية (١٠/ ٥١٢).
(٢) ينظر: البناية شرح الهداية (١٣/ ٥٢٤)، البحر الرائق (٨/ ٥٣٦).
(٣) قال في الهداية (٣/ ١٢٤): «والوصيان إذا أقرا أنَّ معهما ثالثاً يملك القاضي نصب ثالث معهما؛ لعجزهما عن التصرف باعترافهما، بخلاف ما إذا أنكرا ولم يعرف الموت؛ لأنَّه ليس له ولاية نصب الوصي؛ فتكون الشهادة هي الموجبة».
(٤) الهداية (٣/ ١٢٤).
(٥) في «س»: [وكذا].
(٦) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٦٢).
(٧) الهداية (٣/ ١٢٥).