للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: أما الجواب عن الأولى (١)، فإن المعارضة يقتضي المساواة، ولا معارضة بين القول، والفعل لما ذكرت من قوة القول، وضعف الفعل، فلم ثبتت المعارضة بين الفعلين لتساويهما في القوة احتجنا إلى ما هو حجة في الباب، فوجدنا القول يشهد لمذهبنا فقلنا به، وما ذكر أن المعارضة إذا وقعت بين الحجتين يصار إلى ما بعدهما، فذلك إنما يكون عند انعدام الحجة فيما فوقهما، وإن كانت الحجة فوقهما، فلا يحتاج حينئذٍ إلى المعارضة، وهنا كذلك، وإن أنكر الخصم لثبوته بنقل العدول، والجواب عن الثانية هو أن ما قلته إنما يلزم أن لو قلنا بترجيح الفعل بالقول (٢)، ولا نقول به، بل نقول لما تعارض حديثًا، فعله رجعنا إلى ما هو الحجة في الباب (٣)، وهو حديث القول، ومثل هذا مذكور في «شرح الآثار» (٤) من أوله إلى آخره، وأورد على الشيخ بأن الأصل في الدلائل أعمالها لا إهمالها، فلم تعمل بحديثي الفعلين، فقال: فيما قلنا أعمال للأصل أيضًا، وهو: أن الأصل في التعارض التوقف لما أن التوقف موجب التعارض كما أن العمل موجب الدليل عند عدم المعارض (٥).

قوله: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ.

أي: الخلاف المذكور فيما بيننا وبين الشافعي في الأولوية، فإن الأولى أن يأتي عندنا بعد السلام، ولو أتى بسجود السهو قبل السلام جاز عندنا أيضًا (٦)، وذكر في «الأسرار» (٧): قال علماؤنا: الأحسن أن يسجدهما بعد السلام، وذكر في «المحيط» (٨): لو سجد قبل السلام أجزأه عندها قال القدوري رحمه الله: هذه رواية الأصول قال: وروي عنهم أنه لا يجزئه (٩)؛ لأنه أداه قبل وقته ووجه رواية الأصول أن فعله حصل في فصل مجتهد فيه، فلا يحكم بفساده ولأنا لو أمرناه بالإعادة يتكرر السجود، وهذا شيء لم يقل به أحد من العلماء فلأن يكون فعله على وجه قال به بعض العلماء أولى من أن يكون على وجه لم يقل به أحد من العلماء.

[[صفة سجود السهو]]

قوله: وَيَأْتِي بِتَسْلِيمَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ احتراز عما اختاره فخر الإسلام، وشيخ الإسلام، وصاحب الإيضاح، فإنهم اختاروا أن يسلم تسليمة واحدة، ثم اختار فخر الإسلام أن يكون تلك التسليمة الواحدة تلقاء وجهه، ولا ينحرف عن القبلة؛ لأن ذلك لمعنى التحية دون التحليل، وقال شيخ الإسلام: إنه لو سلم تسليمتين لا يأتي بسجود السهو بعد ذلك (١٠)، ولكن شمس الأئمة السرخسي، وصدر الإسلام أبا اليسر (١١)، وظهر الدين المرغيناني رحمه الله اختاروا، ما اختاره صاحب الهداية بالتسليمتين، ونسب صدر الإسلام قائل التسليمة الواحدة إلى البدعة، فقال أخوه فخر الإسلام: وإنما اخترنا (١٢) ما اخترناه بإشارة محمد في كتاب الصلاة، فتقصين (١٣) عن عهدة البدعة، وإنما العهدة على من قصر في طلبه، ويأتي بالصلاة إلى أن قال: هو الصحيح (١٤). وفي «المحيط» (١٥): واختلفوا في الصلاة على النبي عليه السلام، وفي الدعوات أنها في قعدة الصلاة أم في قعدة سجدتي السهو، و (١٦) ذكر الكرخي أنها في قعدة سجدتي السهو؛ لأنها هي القعدة الأخيرة، والفراغ من الصلاة يحصل بهذه القعدة، والطحاوي قال (١٧): كل قعدة في آخرها سلام، ففيها صلاة على النبي عليه السلام، فعلى هذا القول يصلي على النبي في القعدتين جميعًا، ومنهم من قال في المسألة اختلاف عند أبي حنيفة، وأبي يوسف يصلي في القعدة الأولى، وعند محمد يصلي في القعدة الأخيرة بناء على أصل، وهو أن سلام من عليه السهو يخرجه من الصلاة عندهما، فإذا كان كذلك كانت القعدة الأولى هي قعدة الختم، وعند محمد على خلافه، واختار فخر الإسلام أيضًا ما اختاره صاحب الهداية، فإن يأتي بها بعد سجدتي السهو، ويلزمه السهو إذا زاد في صالاته فعلًا، وإنما وجب (١٨) سجود السهو عند الزيادة مع أن سجود السهو لجبر النقصان، والزيادة ضده لما أن الزيادة في غير موضعها نقصان فإن السعر نقص، وإن كان زئدًا ألا ترى أن من اشترى عبدًا، وكان له ستة أصابع كان له ولاية الرد كما لو كان له أربعة أصابع لما أن الزيادة بعد الكمال نقصان، ولأنه لا يخلو عن تأخير ركن أو تأخير واجب.


(١) - في ب الأول بدل من الأولى
(٢) - ساقط من ب (بالقول)
(٣) - في ب الكتاب بدل من الباب
(٤) انظر: شرح معاني الآثار: ٢/ ٢٧٧.
(٥) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٩٩.
(٦) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٥٠١.
(٧) انظر: الاختيار لتعليل المختار: ١/ ٧٨.
(٨) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٢٤٦، ٢٤٧.
(٩) - في ب لايجوز بدل من لايجزئه
(١٠) انظر: حاشية ابن عابدين: ٢/ ٧٨.
(١١) سبق ترجمته.
(١٢) - ساقط من ب (اخترنا)
(١٣) - في ب فيقضين بدل من فتقضين
(١٤) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٥٠١.
(١٥) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٢٤٥.
(١٦) - في ب كذا بدل من و
(١٧) - زيادة من ب في
(١٨) - في ب لزم بدل من وجب