للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأن سجود السهو مؤدي في حرمة الصلاة، ولهذا لو أدرك الإمام فيه يصح اقتداؤه به، والسلام محلل فينبغي أن يتأخر السلام/ عن كل ما يؤدي في حرمة الصلاة قياسًا على سجدة التلاوة، ولنا حديث ابن مسعود، وعائشة، وأبي هريرة رضي الله عنهم: «أن النبي عليه السلام سجد للسهو بعد السلام» (١)، وما روي أنه قبل السلام الثاني فإن عندنا يسلم بعد سجود السهو أيضًا، ولما وقع الاختلاف في فعل رسول الله عليه السلام، فيصير إلى قوله: وهو حديث ثوبان رض (٢): «بعد السلام» (٣)، ولأن سجود السهو مؤخر عن محله، فلو كان مؤدى قبل السلام لكان الأولى أن يؤديه في محله كسجدة التلاوة، وإنما كان مؤخرًا ليتأخر أداءها عن كل حالة يتوهم فيها السهو، وما قبل السلام يتوهم السهو حتى ذكر أصحابنا سجود السهو بتأخير السلام ساهيًا بأن شك في صلاته، ولم يدر أثلاثًا صلى أم أربعًا؟ فيشغله بفكره (٤) حتى أخَّر السلام، ثم ذكر أنه صلى أربعًا (٥) لزمه سجود السهو، فلذلك يؤخر عن السلام، ثم يعود إلى حرمة الصلاة للسجود؛ ليتحقق الخبر في الصلاة. كذا في «المبسوط» (٦)، و «الجامع الصغير» للإمام الكاساني رحمه الله (٧).

وذكر في «الأسرار»: فتأويل الحديث عندنا أنه دخل في صلاة رسول الله عليه السلام في سجدتي السهو، وعاين السلام بعدهما فروى كذلك أو كان ذلك (٨) من رسول الله عليه السلام لبيان أنه جائز قبل السلام لا لبيان المسنون، وأما الجواب عن قوله: أن الجبر شرع في الصلاة، فقد قلنا: فإن حرمة الصلاة لا تنقطع بالسلام، ولا يسجد إلا وهو في الصلاة، وإنما قدمنا السلام ليمتاز الجبر عن نفس الصلاة، وأما سجدة التلاوة فإنه شرع التكرار فيها ألا ترى أنه يؤمر (٩) بها كما تلا، ولم يشرع بآخرها عن أول الوجوب، فصارت هي شاهدة لنا من حيث العدم، أي: عدم التأخير من الجزء الذي وجبت هي فيه ثابت عملًا بالأصل، وهو أن لا يتأخر الحكم عن العلة، فلما تأخر هنا من وقت الوجوب إلى (١٠) وقت السلام بالإجماع؛ لئلا يلزم التكرار وجب أن يتأخر عن السلام أيضًا؛ لئلا يلزم التكرار فتعارضت رويتا فعله، وبقي التمسك بقوله: فإن قلت: في هذا شبهتان أحديهما: أن في المعارضة بين الحجتين إنما يصار إلى ما بعدهما من الحجة لا إلى ما فوقهما، والقول فوق الفعل؛ لأن القول موجب، والفعل لا، فكيف صير إلى القول عند معارضة الفعلين، والثانية هي أنه يلزم من هذا الذي ذكر الترجيح بكثرة الأدلة [العلة]، وهو باطل إذ كل ما صلح علة لا يصلح مرجحًا، وقول الرسول عليه السلام من أقوى العلل، فكيف صلح مرجحًا (١١).


(١) رواه مسلم في صحيحه (٥٧٢)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له. من حديث عبد الله رضي الله عنه.
(٢) هو: ثوبان بن يجدد، أبو عبد الله: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصله من أهل السراة (بين مكة واليمن) اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أعتقه، فلم يزل يخدمه إلى أن مات، فخرج ثوبان إلى الشام فنزل الرملة (في فلسطين) ثم انتقل إلى حمص فابتنى فيها دارا، وتوفي بها. له ١٢٨ حديثًا.
(الإصابة في تمييز الصحابة: ١/ ٤١٣)، و (الطبقات الكبرى: ٧/ ٤٠٠)، و (تهذيب الكمال: ٤/ ٤١٣).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) - في ب فشغله تفكيره بدل من فيشغله بفكره
(٥) - ساقط من ب (أربعاً)
(٦) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٠٣.
(٧) انظر: بدائع الصنائع: ١/ ١٧٣.
(٨) - في ب ذكر بدل من ذلك
(٩) - في ب يومئ بدل من يؤمر
(١٠) - في ب أي بدل من إلى
(١١) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٩٨، ٤٩٩.