للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ.

بدأ ببيان السبب، فقال: للزيادة والنقصان، واللام لإثبات معنى السببية كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (١)، وقولك: أد الثمن للشراء، ثم هو فيهما بعد السلام كما ذكر في الكتاب، وهذا هو بيان المحل، ثم فيه نفى لقول مالك، فإنه يقول: إن كان سهوه عن نقصان سجد قبل السلام؛ لأنه جبر للنقصان، وإن كان عن زيادة سجد بعد السلام؛ لأنه ترغيم للشيطان (٢)، وفيه حكاية: فإنه روي أن أبا يوسف رحمه الله كان مع هارون الرشيد رحمه الله (٣)، فجاء مالك فسأله أبو يوسف عن هذه المسألة، فقال: إن كان عن نقصان يسجد (٤) قبل السلام، وإن كان للزيادة بعد السلام، فقال له أبو يوسف: ما قولك لو وقع السهو في الزيادة والنقصان جميعًا؟ فسكت مالك، فقال أبو يوسف رحمه الله: الشيخ تارة يخطئ، وتارة لا يصيب، فقال مالك (٥): على هذا أدركنا مشايخنا، فظن أن أبا يوسف قال له: الشيخ تارة يخطئ، وتارة يصيب. كذا في مبسوط شيخ الإسلام (٦).

ثم يتشهد ويسلم فيه إشارة إلى أنه يرفع التشهد والسلام، ولكن لا يرفع القعدة؛ لأن الأقوى لا يرتفع (٧) بالأدنى بخلاف الصلبية فإنها أقوى من القعدة فترفعها (٨)، وبخلاف سجدة التلاوة، فإنها أثر القراءة المفروضة فألحقت بها (٩)، والأولى فيه ما قاله صاحب «المحيط» (١٠): أن ارتفاض القعدة الأخيرة بالسجدة الصلبية، وسجدة التلاوة إنما كان؛ لأنه عاد إلى شيء موضعه قبل القعدة، فيصير رافضًا للقعدة لهذا المعنى بخلاف سجود السهو، فإنه يؤتى به (١١) بعد القعدة، وذكر قبل هذا أن في ارتفاض القعدة بالعود إلى سجدة التلاوة، روايتين في رواية لا يرتفض، وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي، وقد يترك الفرض لمكان الواجب، كما إذا قرأ آية السجدة في حال القيام فإنه يأتي بها، وإن صار تاركًا للفرض، ثم الشافعي احتج فيما ادعى أنه يسجد قبيل السلام (١٢) بحديث عبد الله بن بُحينة رض (١٣): «أن رسول الله عليه السلام سجد سجدتي السهو قبل السلام» (١٤).


(١) سورة الأسراء الآية (٧٨).
(٢) ينظر: المدونة ١/ ٢٢٠، الكافي ١/ ٢٢٩.
(٣) هو: هارون الرشيد ابن محمد المهدي ابن المنصور العباسي، أبو جعفر: خامس خلفاء الدولة العباسية في العراق، وأشهرهم. ولد بالري سنة ١٤٩ هـ، وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي، وازدهرت الدولة في أيامه. وكان الرشيد عالما بالأدب وأخبار العرب والحديث والفقه، فصيحا، شجاعا كثير الغزوات، يلقب بجبار بني العباس، يحج سنة ويغزو سنة، توفي في سناباذ سنة ١٩٣ هـ، وبها قبره. (الأعلام للزركلي: ٨/ ٦٢).
(٤) - في ب سجد بدل من يسجد.
(٥) - ساقط من ب (فقال مالك).
(٦) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٠٣.
(٧) - في ب لا يرفع بدل من يرتفع.
(٨) - في ب فيرفعها بدل من فترفعها.
(٩) انظر: الجوهرة النيرة: ١/ ٧٦.
(١٠) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٣.
(١١) - زيادة من ب (به).
(١٢) ينظر: الأم للشافعي ١/ ١٥٤، الحاوي الكبير ٢/ ٢١٤.
(١٣) هو: عبد الله بن مالك ابن بحينة الأسدي، قال علي: هو ابن مالك بن القشب من أزد شنوءة، وأمه بحينة بنت الحارث بن المطلب. قال عبد الرحمن الأعرج يحدث أنه سمع عبد الله بن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم بلحيى جمل من طريق مكة وهو محرم، وقال بعضهم: هو مالك ابن بحينة، والأول أصح. روى عنه ابنه علي بن عبد الله.
(الإصابة في تمييز الصحابة: ٤/ ١٩)، و (الطبقات الكبرى: ٤/ ٣٤٢)، و (تهذيب الكمال: ١٤/ ٣٢٤).
(١٤) رواه البخاري في صحيحه (٧٩٥)، كتاب الأذان، باب من لم ير التشهد الأول واجبا. ومسلم في صحيحه (٥٧٠)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له. من حديث عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه.