للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَوُجِّهَ كَوْنُهُ تَفْسِيراً؛ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْمَشَايِخِ -رحمه الله- (١) فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " فَقَالَ: وَدَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ؛ عَلَى أَنَّ الْقَدَمَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ جَوَّزَ الصَّلَاةَ؛ مَعَ كَشْفِ مَا دُونَ رُبْعِ السَّاقِ؛ فَكَانَتِ الْقَدَمُ مَكْشُوفَةً لَا مَحَالَةَ، وَجَعَلَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- فِي اسْتِحْسَانِ " الْمَبْسُوطِ ": (فَقَالَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إِلَى قَدَمِهَا أَيْضًا، وَهَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ (٢) -رحمه الله- لِأَنَّهَا كَمَا تُبْتَلَى بِإِبْدَاءِ وَجْهِهَا فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ؛ وَإِبْدَاءُ كَفِّهَا (فِي الْأَخْذِ) (٣) وَالْإِعْطَاءِ، تُبْتَلَى بِإِبْدَاءِ قَدَمَيْهَا (٤) إِذَا مَشِيَتْ حَافِيَةً، أَوْ مُتَنَعِّلَةً؛ فَرُبَّمَا لَا تَجِدُ الْخُفَّ فِي كُلِّ وَقْتٍ) (٥).

[ما يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ من المرأةِ لِلرِّجَالِ]

قُلْتُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ مَوْضِعَيْنِ مِمَّا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ لِلرِّجَالِ:

أَحَدُهُمَا: هُوَ مَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ لِذَوِي مَحَارِمِهَا دُونَ الْأَجَانِبِ؛ وَهُوَ مَوَاضِعُ (٦) الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ كَالرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَغَيْرِهِمَا.

وَالثَّانِي: هُوَ مَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ لِلْأَجَانِبِ، وَالْمَحَارِمِ؛ وَهُوَ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ؛ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ (٧)، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْقَدَمِ، ثُمَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا السَّتْرُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ؛ هُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا السَّتْرُ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ، دُونَ الْمَحَارِمِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ مَوَاضِعَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ مَا لَا يَجِبُ سَتْرُهَا فِي حَقِّ الْمَحَارِمِ.


(١) في (ب): (الإسلام).
(٢) (الطحاوي) هكذا في "المبسوط"للسرخسي (١٠/ ١٥٣).
(٣) (في الأخذ): زيادة من (ب).
(٤) في (ب): (قدمها).
(٥) "المبسوط"للسرخسي (١٠/ ١٥٣).
(٦) في (ب): (موضع).
(٧) إنَّ مراد الإمام بعيدٌ كلَّ البُعدِ أن يُراد به كلُّ النِّساء، وعمومُ الناظرين، وفي كافَّة الأحوال، وسأورد الآن من عِبارات أئمَّة المذهب؛ المانعة من كشْف الوجه، والنَّظر إليه، وهذه الأقوال قيلت في زمانهم، فما بالك بزمننا الذي يعج بالفتن والانفتاح الإعلامي والله المستعان: قال في "المحيط البرهاني لإبن مازة " (٨/ ٢٩١): (والنظرُ إلى الأجنبيَّة مع ما فيه من خوفِ الفِتنة لا يجوزُ إلَّا لضرورة (، وقال في "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" (١/ ٢٨٥): (ودلَّتِ المسألةُ على أنَّ المرأةَ لا تَكشِف وجهَها للأجانبِ من غيرِ ضرورةٍ).، وقال في " البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري (١/ ٢٨٤): (قال مَشايخُنا: تُمنَعُ المرأةُ الشابَّةُ من كشْفِ وجهِها بين الرِّجال في زَماننا للفِتنة (، وقال في "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" (١/ ٨١): (وفي المُنتقَى: تُمنَعُ الشابَّةُ عن كشْفِ وجهِها؛ لئلَّا يُؤدِّي إلى الفِتنة، وفي زَمانِنا المنعُ واجبٌ، بل فرضٌ؛ لغلبة الفسادِ (، وقال في "حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح" (ص ٢٤١): ("إلَّا وجهها" ومنع الشابَّة مِن كَشْفِه؛ لخوف الفتنة). وقال في "رد المحتار" لابن عابدين (١/ ٤٠٦) - وهو مِن العُمَد في معرفةِ الصَّحيح عند الحنفيَّة-: (والمعنى: تُمنَعُ من الكشْفِ لخوفِ أن يرَى الرجالُ وجهَها، فتقع الفتنةُ؛ لأنَّه مع الكشف قد يقَعُ النظر إليها بشهوةٍ (، وقال في "الحاشية" أيضًا (٢/ ٥٢٨): (وفي المحيط: ودلَّت المسألة على أنَّ المرأة منهيَّةٌ عن إظهارِ وجهِها للأجانب بلا ضرورة؛ لأنَّها منهيَّةٌ عن تغطيتِه لحقِّ النُّسك، لولا ذلك وإلَّا لم يكُن لهذا الإرخاءُ فائدةٌ. اهـ، ونحوه في الخانية، ووفَّق في البحر بما حاصلُه: أنَّ محمل الاستحباب عند عدَم الأجانب (.