للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«واشتراطُ العدد أمرٌ تحكُّمي في الشَّهادة» (١).

أي: أمرٌ تعبُّديٌّ لا تدركه العقول، فكان حكماً ثابتاً بالنَّصِّ بخلاف القياس؛ فلا يتجاوز هذا الحكم من الموضع الذي ورد فيه النَّصُّ باشتراطه إلى غيره.

وقد ذكرنا في المبسوط (٢) بأنَّ اشتراط العدد في الشَّهادات أمرٌ ثبت بالنَّصِّ بخلاف القياس، لأنَّ رجحان الصِّدق في حق العمل بالعدالة لا بالعدد، كما في رواية حديث النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي حَقِّ العلم بالتَّواتر، وإذا كان كذلك لا معنى لاشتراط العدد في الشَّهادات؛ لكن تركنا ذلك القياس بالنُّصوص التي فيها بيان العدد.

«فلا يتعدَّاها» (٣).

أي: فلا يتعدَّى اشتراط العدد في الشَّهادة إلى التَّزكية.

«يشترط الأربعة في تزكية شهود الزِّنا عند محمد - رحمه الله -» (٤).

لأنَّ التَّزكية عنده في معنى الشَّهادة، وعلى ما ذكر، فلذلك يُشترط الأربعة في مزكِّي شهود الزِّنا، كما يشترط في الشَّهادة فيه، والله أعلم بالصواب.

[فصل [في أحكام تتعلق بأداء الشهادة]]

في هذا الفصل أحكام تتعلق بأداء الشَّهادة، بأنَّ الشَّاهد كيف يشهد عند القاضي.

«أحدهما: ما يثبت بنفسه» (٥).

أي: لا يحتاج فيه

[إلى] (٦) الإشهاد؛ بل يجوز للشَّاهد أن يشهد بدون الإشهاد، بخلاف الشَّهادة على الشَّهادة، «فإذا سمع ذلك»؛ أي: ما كان من الأقوال، «مثل البيع، والإقرار، وحكم الحاكم».

«أو رآه»؛ أي: ما كان من الأفعال، مثل الغضب، والقتل.

«وهو الرُّكنُ»؛ أي: علم ما هو الموجب بنفسه، وهو الركن في تجويز الأداء عند القاضي.

جعل العلم ركناً لأداء الشَّهادة مع أنَّه شرطٌ فيه بدليل «قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (٧)، جعل كونهم عالمين حالاً للشهود والأحوال شروط.

وكذلك في الحديث حيث جعل صريح الشّرط لقوله: «إِذَا عَلِمتَ مِثلَ الشَّمسِ فَاشهَد» (٨)؛ وإنَّما جعل هكذا لزيادة تأثيره في توقف صحَّة/ أداء الشَّهادة إلى العلم.


(١) الهداية (٣/ ١١٩).
(٢) المبسوط (١٦/ ١١٥).
(٣) الهداية (٣/ ١١٩).
(٤) الهداية (٣/ ١١٩).
(٥) قال في الهداية (٣/ ١١٩): «وما يتحمله الشاهد على ضربين: أحدهما: ما يثبت حكمه بنفسه مثل البيع والإقرار والغصب والقتل وحكم الحاكم، فإذا سمع ذلك الشاهد أو رآه وسعه أن يشهد به وإن لم يشهد عليه».
(٦) في «ج»: [إلا].
(٧) سورة الزخرف: آية ٨٦.
(٨) سبق تخريجه، ص (١١٢).