للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[تخليل الخمر بصب الخل فيها]]

وأمّا إذا خلَّلها بصب الخل فيها اختلف المشايخ (١) فيه أيضًا، قال بعضهم: على قول أبي حنيفة (٢) -رحمه الله- يكون للغاصب بغير شيء، سواء صار خلًّا من ساعته، أو بمرور الأيام؛ لأن الخلط (٣) استهلاك، واستهلاك الخمر لا يوجب الضمان، وعلى قول أبي يوسف ومحمد (٤): إن صار خلًّا بمرور الزمان كان بينهما على قَدْرِ كَيْلِهِمَا؛ لأنه لم يصير استهلاكًا، بل صار في التقدير كأنه نُصِب في الخل.

[[إن صار الخمر خلا من ساعته فهو ملك الغاصب لأنه استهلاك]]

(وإن صار خلًا من ساعته كان للغاصب ولا ضمان عليه، لأنه استهلاك) وذكر شمس الأئمة الحلواني (٥) - رحمه الله- ظاهر الجواب فيها: أن يَقسم سهمًا على قَدْرِ كَيْلِهِمَا، سواء صارت خلًّا من ساعتها أو بعد حين، أمّا عندهما فلا يُشكل؛ لأن الخلط ليس باستهلاك عندهما (٦)، وكذلك عند أبي حنيفة-رحمه الله-؛ لأن عنده الخلط يوجب زوال الملك بشرط الضمان، والضمان هنا متعذّر؛ لأنّ خمر المسلم لا يُضمن بالإتلاف، فصار كما لو انصب خَلَّه في خمره لا بصنعه، وثمنه يكون مُشتركًا بينهما على قَدْرِ كَيْلِهِمَا، كذلك ههنا؛ فإن استهلكه الغاصب ينبغي أن يكون ضامنًا عند الكل على هذا القول، كذا ذكره الإمام قاضي خان في «الجامع الصغير» (٧).

[[إذا كان الجلد وأراد المالك تركه على الغاصب]]

وقوله: (قالوا عند أبي حنيفة (٨) - رحمه الله- صار ملكًا للغاصب) إلى آخره فيه إشارة إلى أن فيه اختلاف المشايخ على ما ذكرنا؛ لأن لفظ قالوا إنما يستعملونه فيما فيه اختلاف، إذ حكم الإجماع يُعلم بإجراء اللفظ على إطلاقه بدونه، فلا بدَّ لذكره من فائدة، وهي ما ذكرنا (صار ملكًا للغاصب)؛ لأنه استهلاك، إلا أن الخمر لم تكن متقوّمة، والملح كان متقومًا، إلى آخر ما ذكرنا، (وإن أراد المالك تركه وتضمينه فهو على ما قيل، وقيل) ينبغي أن يُقرأ هذان اللفظان بالوصل حتى يُستفاد منه مُراد صاحب الكتاب؛ فإن مراده فهو على القولين المذكورين في دبغ الجلد، وهو ما ذكره قُبيل هذا بقوله: (ولو كان قائمًا فأراد المالك أن يتركه على الغاصب في هذا الوجه ويضمنه قيمته، قيل: ليس له ذلك، وقيل: ليس له ذلك عند أبي حنيفة (٩) - رحمه الله-، وعندهما له ذلك) فكان تقدير قوله: (فهو على ما قيل، وقيل) أي: فهو على تقدير قيل، ويستثنيه حتى يُستفاد منه [معنى قوله] (١٠) فهو على القولين اللذين ذكرناهما، والدليل على هذا ما ذكرته من رواية قاضي خان (١١) بقوله فيه روايتان: (وهو على أصله) أي: أصل محمد (١٢) ليس باستهلاك، فإنّ أصل محمد، وهو قول أبي يوسف (١٣) أيضًا إن خلط الشيء بجنسه (ليس باستهلاك) عندهما، ولمَّا لم يكن استهلاكًا عنده كان الخل مشتركًا بين الغاصب، وبين المغصوب منه؛ لأنّه صار خالطًا خلَّ نفسه بخل المغصوب منه، وما صار مُستهلكًا للخمر، ولكن زالت عنها النجاسة بصُنعه؛ فإذا صار الخل مشتركًا بينهما؛ فإذا أتلفه فقد أتلف خلَّ نفسه وخلَّ غيره، فيضمن خلًّا مثل خلِّ المغصوب منه، كذا ذكره صدر الإسلام- رحمه الله- في «الجامع الصغير» (١٤).


(١) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٧٣)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٣٧)، درر الحكام (٢/ ٢٦٨).
(٢) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٧٣)، ملتقى الأبحر (ص: ٩٦).
(٣) في (ع): (الجلد).
(٤) انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٤٦٨)، المحيط البرهاني (٥/ ٤٧٣).
(٥) انظر: ملتقى الأبحر (ص: ٩٦)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٣٧).
(٦) انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٤٦٨)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٦٨).
(٧) انظر: مخطوط الجامع الصغير (٢/ ١٤٢/ ب/ ١٤٣/ أ)، فتاوى قاض خان (٣/ ٩٦).
(٨) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٧٣)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٤٦٨).
(٩) انظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٦٣)، فتح القدير (٩/ ٣٦٥).
(١٠) سقطت في (ع).
(١١) انظر: مخطوط الجامع الصغير (٢/ ١٤٢/ ب)، فتاوى قاض خان (٣/ ١٢٠).
(١٢) انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٤٦٨)، الاختيار (٣/ ٢٦).
(١٣) انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٤٦٨)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٦٨).
(١٤) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٣٦٧)، البناية شرح الهداية (١١/ ٢٦٦).