للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الْمُراد بقوله: «تُقْبِلُ بأربعٍ وتُدْبِرُ بِثَمَانٍ»]

معنى قوله: «تُقْبِلُ بأربعٍ وتُدْبِرُ بِثَمَانٍ» الْمُراد منه: عُكَنُ البطن، (العُكَنُ) جمع [عُكْنَة] (١)، وهي الطَيُّ الذي يكون في البطن من السِّمَنِ (٢)، أي: هن أربعٌ إذا أقبلَت، وثمانٌ إذا أدبرَت؛ لأن [لكل عُكْنّةٍ] (٣) طرفين إلى جنبها (٤).

[نَظَر العَبْد إلى سيِّدَتِه]

(والْمُراد بالنَّصّ) (٥) أي: بقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} (٦) إلا ما دون الغِلْمان، فكان الغِلْمان مخاطَبين بقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (٧) فلذلك لم يجُزْ للمملوك أن ينظر إلى سيّدته (٨).

فإنْ قُلْتَ: لا يصحّ حَمْلُ قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} (٩) على الإماء؛ لوجهين:

أحدهما: أن إباحة نظر الإماء إلى سيّدتهن استُفيدت من قوله تعالى في تلك الآية: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} (١٠)، ثم لو حملت هذه الآية على الإماء يلزم فيه تكرار محض.

والثاني: أن الإماء لو لم تكن مرادة من قوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} وجب أن لا [تكون] (١١) مرادة من قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} أيضاً؛ وذلك لأنّ البيان بالحُكْم إنما يكون في موضع الإشكال؛ ولا يشكل لِأَحَد أن للأَمَة أن تنظُر إلى مولاتِها كما للأجنبيّات، والْمُلْكُ إنْ لم يزِد توسعةً ينبغي أن لا يزيد [تضييقاً، والْمَرْوِي] (١٢) عن أم سلمة موافق لما ذكرت، فإنه رُوِيَ عن أم سلمة رضي الله عنها أنّه كان لها مكاتب فلما انتهى إلى آخر النجوم قالت له: أتقدر على الأداء؟ فقال: نعم، فاحتجبت منه وقالت: سمعت رسول الله -عليه السلام- يقول: «إِذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ فَأَدَّى آخِرَ النُّجُوْمِ فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» (١٣)، والمعنى أيضاً يعود إليه؛ وهو أن بينهما سبباً مُحَرِّماً للنكاح ابتداءً وبقاءً فكان كالمَحْرَمِيَّة.


(١) في (أ): (العُكْنة).
(٢) يُنظر: الْمُغْرِب في ترتيب الْمُعْرَب (ص ٣٥٥)، الصحاح للجوهري (٦/ ٢١٦٥).
(٣) في (ب): (كل عكرة).
(٤) يُنْظَر: غريب الحديث للقاسم بن سلام (٢/ ٢٥٩)، مشارق الأنوار على صحاح الآثار (١/ ١٣١).
(٥) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٤٩٤).
(٦) سورة النور الآية (٣١).
(٧) سورة النور الآية (٣٠).
(٨) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (١٢/ ١٦٦).
(٩) سورة النور الآية (٣١).
(١٠) سورة النور الآية (٣١).
(١١) في (ب): (يكون).
(١٢) في (ب): (تضعيفاً، والمراد).
(١٣) أخْرَجَه أبو داود في سُنَنِهِ (٦/ ٧٢) كتاب (العتاق) باب (في الْمُكَاتَب يؤدِّيْ بعض كتابته) برقم (٣٩٢٨) بِسَنَدِهِ: عن نَبْهَانَ مكاتَبِ أمِّ سَلَمَةَ، قال: سَمِعْتُ أمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: قَالَ لَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ فَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّيْ فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ»
- وأخرجه ابن ماجه (٢/ ٨٤٢) برقم (٢٥٢٠).
- وأخرجه الترمذي (٣/ ٥٥٤) برقم (١٢٦١) بِلَفْظ: «إِذَا كَانَ عِنْدَ مُكَاتَبِ إِحْدَاكُنَّ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ»، وقال: هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح.
- وضَعَّفَهُ الألباني. يُنْظَر: ضعيف سنن الترمذي للألباني (١/ ١٤٩).