للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[اعتبار الأهلية في التصرف]]

وحاصله أن الواجب في هذا الباب اعتبار أهلية الوكيل للتصرف المأمور به، واعتبار أهلية الموكل لحكم ذلك التصرف وههنا كذلك، فيجب أن يصح؛ لأن الملك يثبت للموكل إرثاً واستيلاء، فكذلك توكيلاً، فصورة الإرث (١) بأن أسلم النصراني وله خنازير وخمور، ومات قبل تسييب الخنازير وتخليل الخمر، وله وارث مسلم يملكها.

فإن قيل: الوراثة ليست نظيرة مسألتنا؛ لأن الوراثة أمر جبري، والتوكيل أمر اختياري، والأمر الحكمي يوافق الجبري لا الاختياري.

قلنا بثبوت الملك للموكل بعد تحقيق الوكالة أمر جبري أيضاً؛ حيث يثبت الملك له بدون اختياره، كما في الموت (٢) بالاتفاق أن المأذون له إذا كان نصرانياً اشترى خمراً ومولاه مسلم يثبت الملك له فيها فيجب أن يكون هنا كذلك.

فإن قيل: فيثبت بين الوكيل والموكل أحكام المبايعة حتى يجعل الوكيل بمنْزلة البائع، والموكل بمنْزلة المشتري، ألا ترى أن التحالف يجري بينهما عند التجاحد، ويثبت احتباس المبيع بالثمن، فيثبت الرد بالعيب، هذه أحكام المبايعة تثبت بسبب الوكالة، فينبغي أن يمنع عن التوكيل الذي يثبت هذه الأحكام؛ لأن المسلم كما هو ممنوع عن حقيقة الشرى ممنوع أيضاً/ عما هو شبه الشراء بمباشرة حكمه، ألا ترى أنه يمنع عن قبض الخمر حكماً للشرى الموجود منه حال كفره.

قلنا: هذه الأحكام تثبت مضافة إلى الشرى لا إلى الوكالة، والشرى وجد باختيار الوكيل لا حكماً للوكالة، بخلاف القبض؛ لأنه يثبت بفعله واختياره، وقد منع عن حقيقة البيع باختياره، فكذلك منع عما ثبت به شبهة الشرى باختياره وهو القبض، وأما قولهما: إن الموكل لا يليه فغيره لا يوليه فمنقوض بمسائل:

منها: أن رجلاً لو توكل عن غيره بشرى عبد بعينه، ثم وكل هذا الوكيل غيره (٣) بشرى ذلك العبد جاز، ويثبت الملك للوكيل الأول، وإن كان هو بنفسه لا يملك الشراء لنفسه، ذكره في وكالة المبسوط (٤) "ومنها أن القاضي إذا أمر ذميًّا ببيع خمر أو خنْزير خلّفه ذمي آخر يصح، والقاضي لا يملك التصرف بنفسه، ويملك التفويض إلى غيره، ومنها أن الذمي إذا أوصى إلى مسلم وقد ترك خمراً أو خنْزيراً، فإن الوصي يوكل ذميًّا ببيعه وقسمته، وإن كان لا يملك هو بنفسه هذا" (٥) كله من الفوائد الظهيرية وغيرها (٦).


(١) "مسلم" في (ج).
(٢) "و" الواو زيادة في (ب).
(٣) سقط من (ب).
(٤) المبسوط للسرخسي (١٩/ ٦٦).
(٥) البناية شرح الهداية (٨/ ١٨٠).
(٦) في (ب) وهي في هامش (أ).