للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب تقديم الحج على النكاح]

وأما تقديم الحجّ على النكاح وغيره، فظاهر لما أن الحجّ من الأركان الخمسة في الدِّين والنكاح من المعاملات، ثُمَّ لمّا كانت هذه العبادة أشقّ العبادات كان فيها فوائد مُحرَّضةً (١) على الإتيان بها، فمنها: أنها سميت بالحجّ الذي هوالقصد، فإنه عمل القلب؛ ليكون إشارة إلى شرف هذه العبادة، لما أن شرف العمل يزداد بشرف العامل، ألا ترى إلى قول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (٢) في حق أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فالقلب رئيس الأعضاء، فكذلك عمله رئيس الأعمال، وهذا لأن الحجّ نموذج المحشر؛ لما أنهم يحشرون في العَرَصَات (٣) حُفاًة (٤) عُراةً (٥) بُهمًا (٦).

[ترك الزينة في الحج]

مزايلي (٧) [دَعَة] (٨) الزينة مجانبي راحته الأنس (٩) والسكينة، فكما أن أشرف حالات المرء أن يكون مؤمنًا في العَرَصَاتِ، فكذا أشرف أحواله أن يكون محرمًا في عرفات.


(١) مُحرَّضةً: أي مانعة.
انظر: تاج العروس، مادة حضض، (١/ ١٤٥)
(٢) سورة الأحزاب من الآية (٣١).
(٣) العَرَصَاتُ: جمْعُ عرصة، وقِيل: هِي كُلُّ موْضِعٍ واسِعٍ لا بِناء فِيهِ. والعرّاصُ مِن السّحابِ: ما اضْطرب فِيهِ البرقُ وأظلّ مِنْ فوقُ فقرُب حتّى صار كالسّقْف ولا يكُونُ إِلا ذا رعدٍ وبرْقٍ.
انظر: النهاية (٣/ ٢٠٨)، مختار الصحاح (١/ ٢٠٥)، لسان العرب (٧/ ٥٣).
(٤) (حَفِي) مشى بِلا خُفٍّ ولا نعْلٍ حفاءً بِالْمَدِّ.
انظر: المغرب (١/ ١٢٣).
(٥) عُرَاةً: العُرْيُ: خلافُ اللُّبْسِ. عَرِيَ مِنْ ثَوْبه يَعْرَى عُرْياً وعُرْيَةً فَهُوَ عارٍ.
انظر: لسان العرب (١٥/ ٤٦).
(٦) بُهْماً: البُهْم جَمْعُ بَهِيم، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الَّذِي لَا يُخالط لونَه لونٌ سِوَاهُ، يَعْنِي ليْس فِيهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْعَاهَاتِ والأعْراض الَّتي تَكُونُ فِي الدُّنْيَا كالْعَمى والعَوَر والعَرج وَغَيْرِ ذَلِكَ.
انظر: القاموس المحيط (١/ ١٠٨١)، النهاية في غريب الحديث (١/ ١٦٧).
(٧) مزايلي: بمعنى ترك الزينة، ومزايلي: من الفعل ز ي ل: (زِلْتُ) الشّيْء مِنْ مَكَانِهِ مِنْ بَابِ بَاعَ لُغَةٌ فِي (أَزَلْتُهُ)، (وَزَيَّلَهُ فَتَزَيَّلَ) أَيْ فَرَّقَهُ فَتَفَرَّقَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ}
[سورة يونس: من الآية ٢٨]
وَ (الْمُزَايَلَةُ) الْمُفَارَقَةُ، يُقَالُ: (زَايَلَهُ مُزَايَلَةً) وَ (زِيَالًا) أَيْ فَارَقَهُ. وَ (التَّزَايُلُ) التَّبَايُنُ.
أي مفارقة أو ترك الزينة نهائياً في هذا الركن من أركان الاسلام لأنه مرتبط باليوم الاخر، رغم أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالزينة عن كل مسجد في الركن الثاني والذي يشمل جيع أركان الاسلام.
انظر مختار الصحاح (١/ ١٣٩) لسان العرب (١١/ ٢١٧).
(٨) أثبته من (ج)، وفي (أ، ب) دعت ولعل الصواب ما أثبته لأنها أصح إملائياً.
(٩) في (ب، ج): راحة الأنفس.