للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[إيثار بعض الغرماء]]

وأما المديون في حال حصته لو آثر أحد الغرماء على غيره لقضاء الدين باختياره فله ذلك؛ لأنه ذكر في آخر الفصل التاسع من أدب القاضي في «الذخيرة» (١) بعدما ذكر مسألة فقال: هذه المسألة دليل على أن للمحبوس أن يُؤثر بعض الغرماء على البعض، ثم قال: وقد نصَّ في «فتاوى النسفي» (٢) (٣) على ذلك فقال: رجل عليه ألف درهم لثلاثة نفر لواحد منهم خمسمائة، ولواحد منهم ثلاثمائة، ولواحد منهم مائتان، وماله خمسمائة واجتمع الغرماء وحبسوه بديونهم في مجلس القاضي كيف يَقسم أمواله بينهم؟ قال: إذا كان المديون حاضرًا فإنه يقضي دُيونه بنفسه، وله أن يُقدِّم البعض على البعض في القضاء (٤)، ويُؤثر البعض على البعض؛ لأنه يتصرف وخالص ملكه لم يتعلَّق به حق أحد، ويتصرف فيه على حسب سببه؛ وإن كان المديون غائبًا والديون ثابتة عند القاضي فالقاضي يَقسم ماله بين الغرماء بالحصص، إذ ليس للقاضي ولاية تقدّم بعضهم على بعض.

(أن بيِّنة اليسار تترجح على بيِّنة الإعسار) وفي بعض النُّسخ: على بيِّنة العسار، واليسار اسم للإيسار من اليُسر، أي: استغنى؛ والْإِعْسَارُ مَصْدَرُ أَعْسَرَ أي: افْتَقَرَ وَالْعَسَارُ فِي مَعْنَاهُ خَطَأٌ محض كذا في «المغرب» (٥) ثم لو كان نسخة الكتاب (٦) ما ذكره أولًا، لا كلام في صحته، ولو كان ما ذكره أحدٌ إملاءً يَرِد على لفظ الكتاب ما ذكره في «المغرب»؛ لأنَّ هذا مذكور على طريق الازدواج (٧) فيُغتفر اللفظ عن موضوعه للإزدواج على ما ذكره في «الكشَّاف» (٨) في تقرير شديد العقاب في سورة المؤمن (٩)، فقال: قد غيَّروا كثيرًا من كلامهم عن قوانينه؛ لأجل الازدواج إلى آخره، (ولا يُحبس في موضع)؛ لأنه حبس وليس له حق الحبس.


(١) انظر: الاختيار (٢/ ٩٩)، البحر الرائق (٨/ ٩٥)، حاشية ابن عابدين (٦/ ١٥١).
(٢) الفتاوى النسفية: لنجم الدين عمر بن محمد النسفي، الشهير بعلامة سمرقند، صاحب (المنظومة)، المتوفى: سنة ٥٣٧ هـ، وهي: فتاواه التي أجاب بها عن جميع ما سُئل عنه في أيامه، دون ما جمعه لغيره. كشف الظنون (٢/ ١٢٣٠).
(٣) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٢٧٨)، البناية شرح الهداية (١١/ ١٢٤).
(٤) الْقَضَاءُ لُغَةً: الْحُكْمُ. مختار الصحاح (ق ض ى) (ص: ٢٥٥) وشرعًا: قَوْلٌ مُلْزِمٌ يَصْدُرُ عَنْ وِلَايَةٍ عَامَّةٍ. الاختيار (٢/ ٨٢).
(٥) المغرب (١/ ٣١٥).
(٦) انظر: الهداية (٣/ ٢٨٣).
(٧) قال العيني: (لم يقل أحد في الازدواج باللحن والخطأ في اللفظ على أنه لا يطلب إلا في الخطب والرسائل في كلام الفصحاء، ويقع في كلام الله- تعالى- لابتداع أسلوبه ونهايته في منهج البلاغة والفصاحة، أو كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- لكونه مخصوصا بجوامع الكلم). انظر: البناية شرح الهداية (١١/ ١٢٥).
(٨) تفسير الزمخشري الكشاف (٤/ ١٤٩).
(٩) وهي سورة غافر وهي خمس وثمانون آية، وقيل ثنتان وثمانون نزلت بعد الزمر. تفسير الزمخشري الكشاف (٤/ ١٤٨).