للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنَّهما من أجل أن يثبت لهما اليد على أنفسهما، وذلك يدفع يد الغير عنهما حكماً، حتَّى إنَّ الصَّبِيَّ الذي يعقل لو أقرَّ بالرقِّ على نفسه لغيره؛ يجوز إقراره حتَّى يصنع به المقر له ما يصنع بمملوكه (١).

فإن قلت: لو كان الاعتبار لتعبيرهما عن أنفسهما في الحريَّة والرِّقِيَّة؛ لوجب أن تعتبر دعواهما الحرية بعدما كبرا في يد الذي يدَّعي رقِّتيهما.

قلتُ: نعم، الاعتبار للتَّعبير عن أنفسهما؛ لكن إذا كانا في وقت، وهو فيما إذا لم يثبت لأحد عليهما رقيَّة.

وأمَّا إذا ثبتت الرِّقيَّة عليهما للمولى الذي هما في يده؛ فلا يفيد بعد ذلك دعواهما الحريَّة في وقت التَّعبير عن أنفسهما؛ لأنَّه ظهر الرِّقُّ عليهما في حال صغرهما (٢).

هذا وأمثاله يأتي في فصل التَّنازع بالأيدي من كتاب الدَّعوى إن شاء الله تعالى.

والفرق ما بيَّناه، وهو قوله: «لأنَّ لهما يداً على أنفسهما، فيدفع يد الغير عنهما» (٣) بخلاف الثياب، والله أعلم.

* * *

باب من تُقبَل شهادته ومن لا تُقبَل.

لما ذكر تفصيل ما يُسمع فيه من الشَّهادة وما لا يسمع بالنسبة إلى محال الشَّهادة، أدَّت النَّوبة إلى تفصيل من يسمع من الشَّهادة ومن لا يسمع.

وقدَّم ذلك؛ لأن المحال شروط، والشُّرط مقدَّمٌ على المشروط، كالطَّهارة على الصلاة (٤).

«ثمَّ أعلم أنَّ الأصل في هذا الباب هو أنَّ الشَّهادة تُرَدُّ بالتُّهمة، وما لا فلا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لَا شَهَادَةَ لِمُتَّهَمٍ» (٥).


(١) يُنظر: المبسوط (١٨/ ١٠٧).
(٢) يُنظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٣٩٦)، البناية شرح الهداية (٩/ ١٣٣).
(٣) الهداية (٣/ ١٢١).
(٤) يُنظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢١٧)، فتح القدير (٧/ ٣٩٧).
(٥) الحديث بلفظه عَن أَبِي هُرَيرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُنَادِيًا فِي السُّوقِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصمٍ، وَلَا ظِنِّينٍ» قِيلَ: وَمَا الظِّنِّينُ؟ قَالَ: المُتَّهَمُ فِي دِينِهِ.
أخرجه: عبد الرزاق في المصنف (٨/ ٣٢٠).
وأخرجه الترمذي في سننه (٤/ ٥٤٥)، أبواب الشَّهادات، باب ما جاء فيمن لا تجوز شهادته، رقم (٢٢٩٨)، عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا مَجلُودٍ حَدًّا وَلَا مَجلُودَةٍ، وَلَا ذِي غِمرٍ لِأَخِيهِ، وَلَا مُجَرَّبِ شَهَادَةٍ، وَلَا القَانِعِ أَهلَ البَيتِ لَهُم وَلَا ظَنِينٍ فِي وَلَاءٍ وَلَا قَرَابَةٍ»، وقال: «ولا نعرف معنى هذا الحديث ولا يصح عندي من قبل إسناده»، وأخرجه بنفس اللفظ الطحاوي في شرح مشكل الآثار (١٢/ ٣٥٥)، رقم (٤٨٦٦)، وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن الترمذي (١/ ٢٥٨).