للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: يشكل على أصل المسألة ما إذا وكّل الرجل رجلا أن يزوّج عبده امرأة فزوّج الوكيل العبد امرأة بشهادة رجل واحد والعبد حاضر لا يجوز مع إمكان جعل العبد مباشرًا للعقد والوكيل مع رجل آخر شاهدًا لما لو باشر المولى عقد (١) تزويج العبد عند حضرة العبد مع رجل آخر فإنّه يجوز (٢).

قلت: لو جاز فيما ذكرت إنّما يجوز بأن تنتقل عبارة الوكيل إلى العبد فيجعل كان العبد تزوّج بنفسه ولا وجه إليه لأنّ الوكيل ليس بوكيل من جهة العبد حتّى تنتقل عبارته إلى العبد فبقي الموكل مزوّجًا لا شاهدًا بخلاف ما إذا تأثيره المولى عند حضرة العبد فإنّ العبد هناك يجعل مباشراً للنكاح بنفسه والمولى شاهدًا فيكون النكاح بحضرة شاهدين بخلاف ما لو كان [العبد غائباً أوكان] (٣) العبد حاضراً إلا أنّه غير عاقل فإنّه لا يجوز لعدم إمكان جعل العبد مباشراً إذا (٤) الصبي والمجنون ليسا من أهل مباشرة النكاح كذا في الذّخيرة (٥). والله أعلم.

[فصل في المحرمات]

لما ذكر بيان شرعيّة النكاح على الأنثى من بني آدم ليست هي من المحرمات احتاج إلى بيان المحرّمات ليتميز المحللات من المحرمات فيقول أنّ إثبات الحرمة وهنّ من محاسن الشّريعة إذ الأصل فيهنّ الأمّهات وذلك لأنّ المحارم من وجب احترامه وتعظيمه/ شرعًا واحترام هذه المحرّمات ثابت في طبع كلّ ذي طبع سليم.

وفي النكاح استرقاق واستدلال وجعلهنّ مصبا للفضلات المستقذره وكيف يسترقها بالنكاح فإنّها تعتق عليه بملك اليمين ولأنّ ائتمار أمر الأم واجب فلو جاز نكاحها لصارت هي مأمورة يجب عليها امتثال أمر الابن فتناقض وشرع الشّارع منزّه عن التّناقض وكذلك من هنّ في معناها بسبب القرابة وغيرها.

وحاصلها أنّ المحرمات التي يضمنها كتاب النكاح، والرّضاع على أحد وعشرين نوعًا: سبعة من جهة النّسب، وسبعة من جهة الرّضاع، وأربعة من جهة المصاهرة، واثنان من جهة الجمع، وواحدة من جهة الكفر.

أمّا السّبعة من جهة النّسب: فالأمّهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت، وكذلك يحرم الرّضاع في هؤلاء لقوله -عليه السلام-: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» (٦).


(١) وفي (ب): (عند).
(٢) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٣/ ٣١).
(٣) ساقط من (ب).
(٤) وفي (ب): (إذ).
(٥) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٣/ ٤١).
(٦) رواه البخاري كتاب الشهادات باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم برقم (٢٦٤٥)، (١/ ٣٧٨).
ومسلم كتاب الرضاع باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة برقم (١٤٤٧) بلفظ: ( … وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّحِمِ). قال النووي: فيه دليل على أنه يحرم النكاح ويحل النظر والخلوة والمسافرة لكن لا يترتب عليه أحكام الأمور من كل وجه فلا يتوارثان ولا يجب على واحد منهما نفقة الآخر ولا يعتق بالملك ولا يسقط عنها القصاص بقتله فهما كالأجنيين في هذه الأحكام.
والحكمة في ذلك أن سبب التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وزوجها وهو اللبن، فإذا اغتذى به الرضيع صار جزءاً من أجزائهما، فانتشر التحريم بينهم بخلاف قرابات الرضيع؛ لأنه ليس بينهم وبين المرضعة ولا زوجها نسب، ولا سبب، والله أعلم.