للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[حكم قراءة التشهد والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-]]

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَهُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (١) فِيهِمَا)

أَيْ فِي قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَإِنَّهُمَا فَرْضَانِ عِنْدَهُ حَتَّى إِذَا تَرَكَ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ، أَوْ قِرَاءَةَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ -رحمه الله- فِي قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ؛ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ [السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ] (٢) السَّلَامُ عَلَى جبرائيل وَمِيكَائِيلَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ تَعَالَى» (٣) إِلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهِ «إِذَا قُلْتَ أَوْ قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ» (٤) وَالاسْتِدْلَالُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: هُوَ أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ التَّشَهُّدَ فَقَدْ أَطْلَقَ اسْمَ الْفَرْضِ عَلَى التَّشَهُّدِ.

وَلِأَنَّهُ قَالَ لَهُ قُلْ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ (٥).

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ عَلَّقَ التَّمَامَ بِهِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ، وامَّا أَصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- بَعْدَمَا عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ «إِذَا فَعَلْتَ هَذَا، أَوْ قُلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ» (٦) فَقَدْ عَلَّقَ التَّمَامَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، واجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ التَّمَامَ تَعَلَّقَ بِالْقَعْدَةِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَمْ يُجْزِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي؛ لِيَتَحَقَّقَ التَّخْيِيرُ فَإِنَّ مُوجَبَ (٧) التَّخْيِيرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ الْإِتْيَانُ (٨) بِأَحَدِهِمَا وَالْمَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ، هُوَ أَنَّ هَذَا ذِكْرٌ يُخَافِتُ بِهِ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ، فَلَا يَكُونُ فَرْضاً قِيَاساً عَلَى تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالْقُنُوتِ، وَالْوِتْرِ، وَالتَّأْمِينِ (٩) وَالتَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ، وَهَذَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْفَرَائِضَ تَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ السُّمْعَةِ، وَالْإِعْلَانِ، وَالْوَاجِبَاتِ، وَالتَّطَوُّعِ؛ تَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ الْخِفْيَةِ، وَالْكِتْمَانِ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ؛ فَإِنَّهَا يُجْهَرُ بِهَا فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ؛ وَلِأَنَّ التَّشَهُّدَ؛ لَوْ كَانَ فَرْضاً لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعاً/ فِي فِعْلٍ غَيْرِ فَرْضٍ كَالْقِرَاءَةِ، وَقَدْ يُشْرَعُ التَّشَهُّدُ (١٠) فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى، إِلَّا أَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ (١١) بِالسُّورَةِ؛ فَإِنَّهُ (١٢) قَالَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ وَاجِبَةٌ؛ وَلَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ فَكَذَا [هَذَا] (١٣).


(١) ينظر: "الأم للشافعي" (١/ ١١٧).
(٢) زيادة من (ب).
(٣) سبق تخريجه ص (٣٤٨).
(٤) سبق تخريجه ص (٢٧٣)
(٥) وهذا هو الثاني.
(٦) سبق تخريجه ص (٢٧٣)
(٧) في (ب): (يؤخر).
(٨) في (ب): (الإثبات).
(٩) (وَالتَّأْمِينِ) ساقطة من (ب).
(١٠) في (ب): (وقد شرع في التشهد).
(١١) في (ب): (سنة).
(١٢) في (ب): (قال).
(١٣) (هَذَا) زيادة من (ب).