للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا قَوْلُهُ قَبْلُ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ يُقَدَّرَ فَالْفَرْضُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ التَّقْدِيرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (١) أَيْ قَدَّرْتُمْ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ، وَالْأَمْرُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ، وَالتَّلْقِينِ لَا يَكُونُ فَرْضاً أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ قُلْ لَمْ يَفِدِ الْوُجُوبَ فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُمْ خَمْسُ كَلِمَاتٍ، وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْ قَوْلِهِمْ عَلَّقَ التَّمَامَ بِهِ، وَاحْتَجَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (٢) وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَلَا وُجُوبَ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ (٣) وَكَذَلِكَ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ: {وَسَلِّمُوا} وأمَّا أَصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِمَا رَوَيْنَا؛ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَمَا عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ: «إِذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ» (٤) فَقَدْ عَلَّقَ التَّمَامَ بِأَحَدِهِمَا فَمَنْ عَلَّقَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ، وَبِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ ذِكْرٌ يُخَافِتُ بِهِ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ، فَيَكُونُ سُنَّةً قِيَاساً عَلَى تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وامَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ؛ أَنَّهُ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وانَّهُ لِلْإِيجَابِ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْإِيجَابَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجِ الصَّلَاةِ؛ فَيُحْمَلُ عَلَى خَارِجِ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَنَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- خَارِجَ الصَّلَاةِ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاجِبٌ، هَكَذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ -رحمه الله-؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التِّكْرَارَ.


(١) سورة البقرة من آية (٢٣٧).
(٢) سورة الأحزاب من آية (٥٦)
(٣) (عَلَى النَّبِيِّ) زيادة من (ب).
(٤) سبق تخريجه ص (٢٧٣).