للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[الإفلاس يوجب العجز عن تسليم العين]]

(ولنا أن الإفلاس يوجب العجز عن تسليم العين) أي: عن تسليم عين الدراهم المعقودة أو عين الدنانير/ المنقودة، ولا يوجب العجز (غير المُسْتَحَقِّ بالعقد)، وهو الدين وهو وصف في الذمة (١).

وقال في «الأسرار» (٢): ثم الحُجة لنا: أن المقبوض غير الواجب (٣) حقيقة؛ لأن الواجب دين، وهذا عين، وذلك في الذمة، وهذا في الكيس؛ وإنما جعل في حكم عين الواجب في باب السلم بخلاف الحقيقة؛ لأن السلم لا يجوز الاستبدال به، وأما الديون التي يصحُّ الاستبدال بها فلا تضطرنا شرعًا إلى أن نجعل العين في حكم الدَّين، فيجوز لذلك غيره.

ومثله في «المبسوط» (٤)، والمعنى فيه: (أنه لم يتعيَّن على البائع شرط عقد فلا يتمكَّن من فسخ العقد كما لو كان المشتري مَلِيًّا، وبيان ذلك: أن موجب العقد مِلك الثمن فإنَّ الثمن يجب، ويَملك به وإنما يملك بالعقد دينًا في الذمة (٥)، وبقاء الدين ببقاء محله، والذمة بعد الإفلاس باقية على ما كانت قبل الإفلاس مَحَلًّا صالحًا بوجوب الدين فيها؛ فلذا حق الاستيفاء ثابت للبائع بسبب ملكه لا بحكم العقد، ألا ترى أنه يجوز إسقاطه بالإبراء (٦) أو بالاستبدال، وقبض البدل إذا صار مُستَحَقًّا بالبيع لا يجوز إسقاطه بالاستبدال، كما في البيع عينًا أو دينًا، فعرفنا: أن حق قبض الثمن له بحكم الملك، لا أن يكون موجب العقد فبتعذُّره لا يتغير شرط العقد).


(١) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٢٧٩)، البناية شرح الهداية (١١/ ١٢٧).
(٢) انظر: المبسوط للسرخسي (١٢/ ١٥٠)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٠٢).
(٣) الواجب لغةً: وجب الشيء يجب وجوبًا، إذا ثبت ولزم، انظر: لسان العرب: (١/ ٧٩٣). اصطلاحًا: ما طلب الشارع فعله على وجه اللزوم وكان ثابتًا بدليلٍ ظني، واستحق صاحبه بفعله الثواب وبتركه العقاب؛ لأن الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب من ناحية الدليل، فما ثبت بدليل قطعي فهو الفرض، وما ثبت بدليل ظني فهو الواجب. انظر: أصول السرخسي (١/ ١٧)، المغني في أصول الفقه (١/ ٨٤)، الفصول في الأصول (٣/ ٢٤٧).
(٤) للسرخسي (١٣/ ١٩٨).
(٥) الذمة: العهد؛ لأن نقضه يوجب الذم، وتُفسر بالأمان والضمان، وكل ذلك متقارب. أنيس الفقهاء (ص: ٦٥).
(٦) الإبراء: هِبَةُ الدَّيْنِ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ. انظر: بدائع الصنائع (٦/ ١١٩)، حاشية ابن عابدين (٣/ ١٦٢)، الكليات (ص: ٣٣).