للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[العلة في الربا]]

وكذلك صرّحَ بهذا أيضًا الإمامان شمسُ الأئمة (١)، وفَخْرُ الْإِسْلَام (٢) -رحمهما الله- في نسختيهما مِن أصولُ الفقِه مع أنهما منعا الشَّافِعِي في تعليله بالثمنية في مسألة الرِّبا بعلةٍ (٣) أن ذاك تعليلٌ بالعلة القاصِرة، فحينئذٍ تيسرَ للخصمِ أنْ يقولَ لعلمائنا: وقعُتْم في الذي أَبَيتُمْ فما جوابُنا له (٤)؟


(١) هو: مُحَمَّد بن أحمد بن أبي سهل؛ أبو بكر؛ السَّرَخْسِي من أهل سرخس بلدة في خراسان. ويلقب بشمس الأئمة. كان إمامًا في فقه الحنفية، وعلامة حجة متكلمًا ناظرًا أصوليًّا مجتهدًا في المسائل. أخذ عن الحلواني وغيره. توفي سنة ٤٨٣ هـ. من تصانيفه: (المَبْسُوط) في شرح كتب ظاهر الرواية في الفقه؛ و (الأصول) في أصول الفقه.
يُنْظَر: (الفَوَائِد البهية: ص ١٥٨)؛ و (الجواهر المضية: ٢/ ٢٨)، و (الأَعْلَام للزركلي: ٦/ ٢٠٨).
(٢) هو: علي بن مُحَمَّد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد البزدوي، أبو الحسن، فَخْرُ الْإِسْلَام. فقيه، أصولي، محدث، مفسر. ولد في حدود سنة ٤٠٠ هـ وتوفي سنة ٤٨٢ هـ، ودفن بسمرقند، من تصانيفه: المَبْسُوط، شرح الجامع الكبير للشيباني في فروع الفقه الحنفي.
يُنْظَر: معجم المؤلفين (٧/ ١٩٢)، الطبقات السنية (ص ٢٣٨)، (تاج التراجم (ص ١٤)، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (١٨/ ٦٠٣).
(٣) العلة: هي المعنى الجالب للحكم. يُنْظَر العدة في أصول الفقه (١/ ١٧٥).
(٤) اتفق عامة الفقهاء على أن تحريم الربا في الأجناس المنصوص عليها وهي: (الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح) إنما هو لعلة، وأن الحكم بالتحريم يتعدى إلى ما تثبت فيه هذه العلة، وأن علة الذهب والفضة واحدة، وعلة الأجناس الأربعة الأخرى واحدة، ثُمَّ اختلفوا في تلك العلة.
فقال الحنفية: العلة: الجنس والقدر، وقد عرف الجنس بقوله -عليه الصلاة والسلام-: (الذهب بالذهب، والحنطة بالحنطة) وعرف القدر بقوله -عليه الصلاة والسلام-: (مثلًا بمثل) ويعني بالقدر الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن لقوله -عليه الصلاة والسلام- كذلك كل ما يكال ويوزن، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (لا تبيعوا الصاع بالصاعين)، وهذا عام في كل مكيل سواء أكان مطعوما أم لم يكن، ولِأَنَّ الحكم متعلق بالكيل والوزن إما إجماعًا -أي: عند الحنفية- أو لأن التساوي حقيقة لا يعرف إِلاَّ بهما، وجعل العلة ما هو متعلق الحكم إجماعا أو هو معرف للتساوي حقيقة أولى من المصير إلى ما اختلفوا فيه ولا يعرف التساوي حقيقة فيه؛ ولِأَنَّ التساوي والمماثلة شرط لقوله -عليه الصلاة والسلام- مثلا بمثل، وفي بعض الروايات سواء بسواء أو صيانة لأموال الناس، والمماثلة بالصورة والمعنى أتم، وذلك فيما ذكر؛ لأن الكيل والوزن يوجب المماثلة صورة، والجنس يوجبها معنى، فكان أولى.
وقال المالكية: علة الربا في النقود مختلف فيها، فقيل: غلبة الثمنية، وقيل: مطلق الثمنية، وإنما كانت علة الربا في النقود ما ذكر؛ لأنه لو لم يمنع الربا فيها لأدى ذلك إلى قلتها فيتضرر الناس. وعلة ربا الفضل في الطعام الاقتيات والادخار، وهو المشهور وقول الأكثر والمعول عليه.
وذهب الشَّافِعِية: إلى أن العلة في تحريم الربا في الذهب والفضة كونهما جنس الأثمان غالبا - كما نقل الماوردي عن الشَّافِعِي - ويعبر عنها بجنسية الأثمان غالبا أو بجوهرية الأثمان غالبا، وهذه علة قاصرة على الذهب والفضة لا تتعداهما إذ لا توجد في غيرهما، فتحريم الربا فيهما ليس لمعنى يتعداهما إلى غيرهما من الأموال؛ لأنه لو كان لمعنى يتعداهما إلى غيرهما لم يجز إسلامهما فيما سواهما من الأموال؛ لأن كل شيئين جمعتهما علة واحدة في الربا لا يجوز إسلام أحدهما في الآخر كالذهب والفضة والحنطة والشعير، فلما جاز إسلام الذهب والفضة في الموزونات والمكيلات وغيرهما من الأموال دل على أن العلة فيهما لمعنى لا يتعداهما وهو أنهما من جنس الأثمان.
وذكر لفظ " غالبا " في بيان علة تحريم الربا في الذهب والفضة للاحتراز من الفلوس إذا راجت رواج النقود، فإنها وإن كانت ثمنًا في بعض البلاد فليست من جنس الأثمان غالبا، ويدخل فيما يجري فيه الربا الأواني والتبر ونحوهما من الذهب والفضة.
وروي عن أحمد بن حنبل في علة تحريم الربا في الأجناس الستة ثلاث روايات: أشهرها أن علة الربا في الذهب والفضة كونهما موزوني جنس، وفي الأجناس الباقية كونها مكيلات جنس، فعلى هذه الرواية يجري الربا في كل مكيل أو موزون بجنسه ولو كان يسيرًا لا يتأتى كيله كتمرة بتمرة أو تمرة بتمرتين لعدم العلم بتساويهما في الكيل، ولا يتأتى وزنه كما دون الأرزة من الذهب أو الفضة ونحوهما. يُنْظَر: المغني (٤/ ٥)، أسنى المطالب (٢/ ٢٢).