للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[هل يكفي نية واحدة لجميع الشهر]]

(وقال زُفَر: يتأدّى صوُم رمضانَ بِدُونِ النيةِ) (١)، وكانَ أبو الحسنِ الكرخي يُنْكِرُ هذا المذهبَ لِزُفَر، ويقولُ: المذهبُ عندَهُ أنَّ صومَ جميعَ الشهرِ يتأدَّى بنيةِ واحدةٍ (٢) كما هو قولُ مَالِكِ (٣)، وقالَ أبو اليسرِ -رحمه الله- (٤): هذا قولٌ قَالهُ زُفَر في صِغَرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ عنهُ، كذا في «المَبْسُوط» (٥)، و «الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة» في حقِّ الصحيحِ المقُيم إِنما قيُّدَ بهما؛ لِأَنّ المريضَ، والمسافَر لابُدَّ لهما مِن نِيَةِ الصَّوْم بالاتفاقِ (٦)؛ لِأَنَّ إمساكَهُما غيرُ مُستحقٍ للصومِ؛ لِأَنَّ شعبانَ، ورمضانَ في حقِّهَمِا سواءٌ منْ حيثُ إنهما غيرُ مطالبينَ بالأداءِ حالَ قيامِ المرضِ، والسفرِ (٧)، كذا في مبسوط شيخ الإسلام (٨).

(كما إذا وَهَبَ كُلّ النِّصابِ مِنَ الفقيرِ) (٩) فإنَّ مْثلَ إعطاءِ النِّصابِ فقيرًا واحداً للزَّكاةِ باطلٌ عْنِدَ زُفَر على ما مَرَّ في الزَّكَاةِ، فكيفَ ذَكَرَ الجوازَ هنا على مذهَبِهِ؟ قِيلَ: جازَ أنْ يكونَ المرادُ منهُ، أيْ: على قَولِ مَذْهَبِكُم، وقِيلَ: تأويُله أنْ يكونَ الفقيرُ مَدْيُونًا فعندَ ذلك يجوزُ أداءُ النِّصابِ زكاةً بالاتفاقِ (١٠)، وفي هِبَةِ النِّصابِ وُجِدَ فيهِ القُرْبَة باختيارِ المَحلَّ، وَوُجَد معنى القُربِة لحاجةِ الحلِّ ألا ترى أنَّ مَنْ وَهَبَ لفقيرٍ شيئًا لا يَمْلِكُ الرجوعَ فيهِ لحصولِ الثوابِ لهُ، ومَنْ أصبحَ غيَر ناوٍ للصْومِ فَأَكَلَ لا كفارةَ عليهِ عندَ أبي حنيفةَ (١١) سواءً أَكَلَ قبلَ الزَّوالِ أو بعدَهُ، وعندَهُما (١٢) على التفصيلِ المذكورِ، وإنْ أصبحَ غيرَ ناوٍ للصومِ، ثُمَّ نَوى قبلَ الزَّوالِ، ثُمَّ أَكَلَ فلا كفارةَ عليهِ إِلاَّ في رِوايةٍ عن أبي يوسفَ أنهُ يلزمُهُ الكفارةُ، كذا في «المَبْسُوط» (١٣). فصارَ كغاصِب الغاصبِ (١٤)؛ وذلك لِأَنّ الإمساكَ قبلَ الزَّوالِ كانَ بغيرِ صفةٍ أنْ يصيرَ صَومًا، فبالأُكْلِ فَوَّتَ هذا الإمكانَ، وتفوِيْتُ الإمكانِ بمنزلةِ تَفْوِيْتِ الأصلِ كما في الغصبِ، فإنّ المغصوبَ منهُ كما يضمَنُ الغاصبُ الأولُ لتفويتِ الأصلِ يضَمُن الغاصبَ الثاني لتفويتِ الإمكانِ؛ لأنهُ لا جائزَ أنْ يضمَنَ الثاني بسببِ الاستهلاك؛ لِأَنهُ شُرْطٌ، والتفويتُ عِلُّةٌ، ولا يُصارُ إليهِ معَ قيامِ صاحِبِ الِعَّلةِ، ولا جائزَ أنْ يضمَنَهُ بسببِ الغَصْبِ؛ لأنهُ ما أزالَ اليدَ المُحَّقَة فتعينَ لتضمِينهِ تفويتَ الإمكانِ (١٥).


(١) يُنْظَر الهِدَايَة (١/ ١٢٧).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٠٨)، الاختيار لتعليل المختار (١/ ١٣٥).
(٣) يُنْظَر: الذخيرة (٢/ ٤٩٩)، البيان والتحصيل (٢/ ٣٣٤).
(٤) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٧٤).
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٠٨).
(٦) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٨٤).
(٧) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (٤/ ١٧٠).
(٨) بحثت عنه في المَبْسُوط لشَيْخُ الإسْلَامِ الشيباني -رحمه الله- ولم أجده ووجدته في الجامع الصغير (١/ ١٣٨).
(٩) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٧).
(١٠) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٢٧٧)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ١٨٨).
(١١) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٥٦)، مجمع الأنهر (١/ ٣٥٩).
(١٢) هما مُحَمَّد وأبي يوسف رحمهما الله. يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٣٣).
(١٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٥٦، ١٥٧).
(١٤) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٩)، العناية (٢/ ٣٧٥).
(١٥) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (٤/ ١٧١).