للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* * *

[فصل في المهايأة]

[تعريف المهايأة وحكمها وكيفية جوازها]

لما فرغ من بيان أحكام قسمة الأعيان شرع في بيان أحكام قسمة الأعراض، وهي المهايأة؛ لأن المهايأة قسمة المنافع، وهي أعراض، وقدَّم الأعيان لكونها أصولاً؛ لأن الأعيان قائمة بنفسها، والمنافع فرع عليها؛ لأنها تقوم بالأعيان، فتقديم الأصول على الفروع كفاء حقهما، فيحتاج هاهنا إلى تفسير المهايأة لغة وشرعًا، وحكمها، وكيفية جوازها.

أما تفسيرها لغة، فإنها مشتقة من الهيئة (١)، وهي الحالة الظاهرة [للمهيء] (٢) لمتهيئ (٣) للشيء، والتهايؤ: تفاعل منها، وهو أن يتواضعوا على أمر فيتراضوا به (٤).

وحقيقته: أن كلاً منهم يرضى بهيئة واحدة ويختارها، أو أن الشريك الثاني ينتفع بالعين على الهيئة التي انتفع بها الشريك الأول، يقال: هايأ فلان فلانًا، وتهايأ القوم.

وأما تفسيرها شرعًا، فهي عبارة عن قسمة المنافع (٥).

وأما حكمها: فهو الجواز استحسانًا، على ما ذكر في الكتاب دون القياس، فإن القياس يأبى جواز المهايأة؛ لأنها مبادلة المنفعة بجنسها؛ كل واحد من الشريكين في نوبته ينتفع بملك شريكه عوضًا عن انتفاع الشريك بملكه (٦) في نوبته، ولكنا تركنا القياس [وجوزناها] (٧) بالكتاب والسنة.

أما الكتاب: فقوله تعالى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} (٨)، وهذا هو المهايأة.

والسنة: ما روي أن الرجل الذي خطب تلك المرأة بين يدي رسول الله -عليه السلام- قال له: «ماذا تصدقها؟» قال: نصف إزاري [هذا] (٩). قال: «إذا جلست في بيتك يومًا لتلبسه هي، ولبست يومًا وخرجت فيه» (١٠)، وهذا هو تفسير المهايأة.


(١) في (ع): «المهايأة».
(٢) زيادة من: (ع).
(٣) في (ع): «المتهيئ».
(٤) ينظر: المغرب: ص ٥٠٩، البناية: ١١/ ٤٦٢، تبيين الحقائق: ٥/ ٢٧٥.
(٥) ينظر: فتح القدير: ٩/ ٤٥٥، البناية: ١١/ ٤٦٢، تبيين الحقائق: ٥/ ٢٧٥.
(٦) في (ع): «في ملكه».
(٧) زيادة من: (ع).
(٨) سورة الشعراء، من الآية: ١٥٥.
(٩) ساقطة من: (ع).
(١٠) أخرجه البخاري في صحيحه: ٧/ ٦، كتاب النكاح، باب تزويج المعسر، رقم الحديث: ٥٠٨٧، وأخرجه مسلم في صحيحه: ٢/ ١٠٤٠، كتاب النكاح، باب الصداق، وجواز كونه تعليم قرآن، وخاتم حديد، وغير ذلك من قليل وكثير، واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به، رقم الحديث: ١٤٢٥.