للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم الاستثناء مبطل للكلام ومخرج له من أن يكون عَزِيمةً في قول أبي حنيفة ومحمّد -رحمهما الله-. وفي قول أبي يوسف -رحمه الله- هو بمعنى الشّرط) وقد ذكرناه في الطّلاق تقديرًا في يمينه، فإن قيل فلمَّا بطل اليمين بالاستثناء فكيف يتحقّق بره والبرّ إنّما يكون في اليمين المثبت لا في المبطل؟.

قلنا: أراد بالبرّ هنا عدم الانعقاد لا لبقائهما، أي البر وعدم الانعقاد في حق عدم وجوب الكفارة، وذلك لأنّ البرّ عدم الحنث، وعدم الحنث تارة يكون بتحقيق بر اليمين، وتارة يكون بعدم انعقاد اليمين، فكان معنى قوله: [فقد برّ في يمينه] أي فلم ينعقد. والله أعلم بالصّواب.

باب اليمين في الدّخول والسكنى (١)

لما كان انعقاد اليمين على فعل شيء أو تركه؛ لم يكن بُدٌّ من ذكر أنواع الأفعال الواردة في اليمين محتسبة بالأبواب، بقي الكلام في تخصيص السكنى والدّخول بالتقديم على سائر الأفعال المهمة من الأكل والشرب وغيرهما، هو أن التّرتيب الوجودي يقتضي الترتيب الوضعي، وهو موجود ههنا وذلك أن الإنسان الذي يتحقّق من اليمين بعد وجوده فأوّل ما يحتاج إليه في حقّه المسكن الذي يدخل فيه ويسكن، ثم يتوارد عليه سائر الأفعال من الأكل وغيره، وإليه وقعت الإشارة في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} (٢)

[٤٢٥/ ب] الدخول عبارة عن الانفصال من الظّاهر إلى الباطن، والسكنى عبارة عن الكونِ في مكان على سبيل الاستقرار والدّوام، فإن من جلس في المسجد أو بات فيه لا يُعد ساكنًا، والكون في مكان على سبيل الاستقرار/ والدّوام (٣) إنّما يكون أن يسكن بنفسه وأهله ومتاعه إن كان له أهل ومتاع، وإن لم يكن فبالإقامة في ذلك المكان يومًا أو أكثر إلى هذا أشار في الذّخيرة (٤).


(١) السكنى: من المسكن وهي الدار التي يأوي إليها ويستقر بها.
انظر: القاموس المحيط (١/ ١٢٠٥)، المصباح المنير (١/ ٢٨٢)، (سكن).
(٢) سورة البقرة آية: (٢٢).
(٣) " فإن من جلس في المسجد أو بات فيه لا يعدّ ساكنًا والكون في مكان على سبيل الاستقرار والدّوام " هذه العبارة مكررة في (أ).
(٤) انظر: البناية (٦/ ١٤٦).