للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصلٌ: أفعال الحجّ على الترتيب

لما ذكر أفعال الحجّ على الترتيب، وأتمها، ألحقها مسائل شتى من أفعال الحجّ بفصل على حدة.

(على ما بيّنا).

أي: من أحكام الوقوف بعرفة فأول وقت الوقوف بعد الزوال عندنا.

(وقال مالك (١): أول وقته بعد طلوع الشمس).

لأن هذا اليوم مُسمى بأنه يوم عرفة، وإِنما يصير اليوم مطلقًا من وقت طلوع الشمس، فتبين أن وقت الوقوف من ذلك الوقت، واستدل بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «الْحَجُّ عَرَفَةُ» (٢) فمن وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تمّ حجه.

(والنهار اسم للوقت من طلوع الشمس): سمي نهارًا لجريان الشمس فيه كالنهر، يسمى نهرًا لجريان الماء فيه، وحجتنا في ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما وقف بعد الزوال، وكان مبينًا وقت الوقوف بفعله، فدل أن ابتداء الوقوف بعد الزوال، وقال ابن عمر للحجاج بعد الزوال: إن أردت السنة فالساعة، ولا يُبعد أن يسمى اليوم بهذا الاسم، وإن كان وقت الوقوف بعد الزوال كيوم الجمعة صار وقتًا لأداء الجمعة بعد الزوال، مع أن اليوم مُسمى بهذا الاسم.

(وقال مالك (٣): لا يجزئه إلا أن يقف في اليوم، وجزء من الليل).

وذلك بأن يكون إفاضة بعد غروب الشمس،

واستدل بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحجّ، ومن فاتته عرفة بليل فقد فاته الحجّ»، ولكنا نقول: هذه الزيادة غير مشهورة، وإنما المشهور «من فاته عرفة فقد فاته الحجّ» (٤)، وفيما روينا، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ساعة من ليل أو نهار»، دليل على أن بنفس الوقوف في وقته يصير مدركًا للحج)، كذا في «المبسوط» (٥).

(لأن ما هو الركن قد وجد، وهو الوقوف).

فإن قلتَ: يشكل على هذا الطواف بالبيت، فإنه إذا طاف بالبيت طالبًا للغريم أو هاربًا من عدو أو سبع، ولا ينوي الطواف لا يجزئه عن طوافه مع أن ركن الطواف، وهو الدوران حول البيت، وقد وجد بخلاف الوقوف بعرفة، فإنه يتحقق الوقوف، وإن كان الوقوف بهذه الأشياء، ولا ينوي الوقوف لوجود ركن الوقوف فما وجه الفرق بينهما؟.

قلتُ: ذكر الإمام شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- وأثابه الجنة. الفرق بينهما في باب الطواف من «المبسوط» (٦) وقال: (لأن الوقوف رُكن عبادة وليس بعبادة مقصودة، ولهذا لا يتنفل به، فوجود النية في (٧) أصل تلك العبادة، يُغني عن اشتراط النية في ركنه، والطواف عبادة مقصودة، ولهذا ينتقل (٨) به فلابد من اشتراط أصل النية، وسقط اعتبار جهة النية لتعينه)، حتى أن المحرم إذا طاف يوم النحر طوافًا، كان أوجبه لله على نفسه أجزأه عن طواف الزيارة، ولم يجزه فيما (٩) أوجب؛ كما قلنا في صوم رمضان، ولأن الوقوف يؤدى في إحرام مطلق، وأما طواف الزيارة فيؤدى بعد التحلل من الإحرام بالحلق، فوجود النية في الإحرام لا يغني عن النية في الطواف، ولكن هذا الفرق الثاني [يتأتى] (١٠) في طواف الزيارة دون طواف العمرة، والفرق الأول يعم الفصلين.


(١) انظر: مواهب الجليل (٣/ ١١٨)، إرشاد السالك (ص ٤٥).
(٢) سبق تخريجة (٩٦).
(٣) انظر: مواهب الجليل (٣/ ٩٤).
(٤) أخرجه بهذا اللفظ بتمامه من غير كلمة (أدرك) الدارقطني (٢/ ٢٤١)، وفيه (من وقف) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً وضعفه برحمه بن مصعب. وأخرجه ابن أبي شيبة (٤/ ١/ ٢٣٥)، وابن عدي (٦/ ٢١٩٤) من حديثه إلى قوله (فقد فاته الحج)، وفي إسناده عندهما ابن أبي ليلى وهوضعيف. وعد ابن عدي هذا الحديث من مناكيره. وفي حديث عبدالرحمن بن يعمررضي الله عنه: (الحج عرفة فمن جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد تم حجه) وهوحديث صحيح أخرجه أصحاب السنن وغيرهم كما تقدم.
(٥) انظر: المبسوط (٤/ ٥٥، ٥٦).
(٦) انظر: المبسوط (٤/ ٣٧).
(٧) ساقطة من (ب).
(٨) في (ب): ينتفل.
(٩) في (ب): مما.
(١٠) أثبته من (ب).