للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ -رحمه الله- (١) لَا يَجُوزُ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَصْلًا، لَكِنَّهُ إِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ) (٢) فَهُوَ أُمِيٌّ، يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، فَلَوْ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ يَفْسَدُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَلَامِ النَّاسِ كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ " (٣).

وَقَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ (٤) -رحمه الله-: الْخِلَافُ فِيمَنْ لَا يُتَّهَمُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَقَدْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ كَلِمَةً بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا أَمَّا لَوِ اعْتَادَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَوْ كِتَابَةَ] الْمُصْحَفِ بِالْفَارِسِيَّةِ (٥) (يُتَّهَمُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَقَدْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ إِلَى الْمُصْحَفِ بِالْفَارِسِيَّةِ) (٦) يُمْنَعُ مِنْهُ أَشَدَّ الْمَنْعِ.

[[قصة محمد بن الفضل مع المستفتي الذي سأله عن التعلم بالفارسية]]

حَتَّى إِنَّ وَاحِداً مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فِي زَمَانِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ (٧) أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ -رحمه الله- كَتَبَ فَتْوَى وَبَعَثَهَا إِلَيْهِ، أَنَّ الصِّبْيَانَ فِي زَمَانِنَا، شَقَّ عَلَيْهِمُ التَّعَلُّمُ بِلُغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، هَلْ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُعَلِّمَهُمْ بِالْفَارِسِيَّةِ؟

فَقَالَ لِلْمُسْتَفْتِي: ارْجِعْ حَتَّى تَتَأَمَّلَ، ثُمَّ انْتَخِبْ (٨) (٩) مِنْ حَالِهِ، فَإِذَا هُوَ كَانَ مَعْرُوفاً بِفَسَادِ مَذْهَبِهِ، فَأَعَطَى لِوَاحِدٍ مِنْ خُدَّامِهِ سِكِّيناً، فَقَالَ لَهُ: اقْتُلْهُ بِهَذَا، وَمَنْ أَخَذَكَ بِهِ فَقُلْ: إِنَّ فُلَانًا أَمَرَنِي بِهِ؛ فَفَعَلَ فَجَاءَ شُرْطِيٌّ إِلَيْهِ، وَقَالَ إِنَّ الْأَمِيرَ يَدْعُوكَ، فَذَهَبَ الشَّيْخُ إِلَيْهِ فَقَصَّ الْقِصَّةَ؛ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَخَلَعَ عَلَيْهِ (١٠) الْأَمِيرُ، وَجَازَاهُ بِالْخَيْرِ (١١).


(١) ينظر: "الأم للشافعي" (١/ ١٠٠).
(٢) ساقطة من (ب).
(٣) "المبسوط" للسرخسي (١/ ٣٧).
(٤) ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة" (١/ ٣٠٨).
(٥) زيادة من (ب).
(٦) ساقطة من (ب).
(٧) في (ب): (الخليل).
(٨) في (ب): (استحث).
(٩) نخب: انْتَخَبَ الشيءَ: اختارَه. والنُّخْبَةُ: مَا اخْتَارَهُ، والنُخبة بالضم: المنتخبون من الناس المنتقون. والانتخاب: الاختيار والانتقاء. ومنه حديث ابن الأكوع «انتخب من القوم مائة رجل». النهاية في غريب الحديث والأثر لإبن الأثير (٥/ ٣١)، لسان العرب لابن منظور (١/ ٧٥١).
(١٠) في (ب): (له).
(١١) هذه الحكاية ظاهرها الضعف إذ لا خطام لها ولا زِمام، ولم أجد لها أثرٌ لا في كتب السير ولا في التاريخ وعلى فرض صحتها فإنَّ فيها فتح بابِ ومسوغ بأن يقوم آحاد الناس بعمل ما لا يكون إلا لولي الأمر. يقول الإمام الشوكاني: (عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهي إلى أقوالهم من أهل المدينة؛ أنهم كانوا يقولون لا ينبغي لأحد يقيم شيئاً من الحدود دون السلطان، إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وأمته). انظر: " نيل الأوطار للشوكاني" (٧/ ٢٩٥، ٢٩٦).