للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: إن هذا الشَّاهد إن تاب فشهد بعد هذا في حادثة، هل تقبل شهادته بعد ذلك؟ فهو على وجهين: إنْ كان فاسقاً تقبل شهادته؛ لأنَّ الذي حمله على الشَّهادة الباطلة فسقه؛ فإذا تاب وظهرت توبته فقد زال فسقه، فتقبل شهادته؛ ولم يبين في الكتاب مدة ظهور التوبة، فعند بعض مشايخنا هي مقدرة بستة أشهر، وعند بعضهم مقدرة بسنة، قالوا: والصحيح أنَّه يفوض [إلى رأي] (١) القاضي.

وإن كان مستوراً لا تقبل شهادته أبداً، وكذلك إن كان عدلاً فشهد بزور، ثم تاب على رواية بشر، عن أبي يوسف لا تقبل شهادته أصلا؛ لأنَّه لا يدرى منه الذي حمله على الشَّهادة الباطلة، فكان الحال قبل التَّوبة وبعدها سواءٌ، فلا تقبل أبداً.

وروى الفقيه أبو جعفر، عن أبي يوسف -رحمهما الله- أنَّه تقبل، قالوا: والفتوى على هذا. كذا ذكره الإمام المحبوبي/» (٢).

«وسخَّم وجهه» (٣)، أي: سوَّد، من السِّخام: وهو سواد القدر، وأمَّا بالحاء المهملة من الاسحم الأسود، فقد جاء. كذا في المغرب (٤).

وذكر في المغني: وقوله: ولا يسخَّم وجهه، يروى هذا اللفظ بالخاء والحاء جميعاً (٥).

[في عقوبة شاهد الزور]

فإن قلت: كيف يتمسكان بفعل «عمر -رضي الله عنه- أنَّه ضرب شاهد الزُّور أربعين صوتا وسخَّم» (٦)، وهما لا يقولان بهذين الحكمين.

أمَّا التسخيم فغير مشروع بالإجماع، وأمَّا تبليغ التعزير إلى أربعين فمحمد لا يقول به، وكذا أبو يوسف في قوله الأول. ذكره في المغني (٧).

قلت: يُثبتان بهذا ما نفاه أبو حنيفة - رحمه الله - (٨)، وهو التعزير بالضَّرب، فعلم بهذا الأثر أنَّ أصل الضرب مشروعٌ، وما زاد على أصل الضرب كان محمولاً على السِّياسة، فجاز أن يشتمل النَّص على حكمين، ثم يقوم دليل النسخ في أحدهما دون الآخر.


(١) في «ج»: [الحد إلى].
(٢) البناية شرح الهداية (٩/ ١٩٨).
(٣) قال في الهداية (٣/ ١٣١): «لهما ما روي عن عمر -رضي الله عنه-، أنَّه ضرب شاهد الزور أربعين سوطاً وسخم وجهه».
(٤) المغرب (١/ ٢٢١).
(٥) ينظر: درر الحكام (٢/ ٣٩١)، تبيين الحقائق (٤/ ٢٤١)، البحر الرائق (٧/ ١٢٦).
(٦) الهداية (٣/ ١٣١).
والأثر أخرجه: عبد الرزاق في المصنف (٨/ ٣٢٦)، رقم (١٥٣٩٢)، وابن أبي شيبة في المصنف (٥/ ٥٢٦)، رقم (٢٨٦٤٣)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ١٤١)، رقم (٢٠٩٩٧)، وقال: «رواياته ضعيفة منقطعة، والموصولة في كل واحدة منها من لا يحتج به».
(٧) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٩٧).
(٨) في «س»: [رضى الله عنه].