للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: الفرق بينهما من وجهين: أحدهما ما ذكره الإمام الزاهد الصفار (١) -رحمه الله- وهو إنما وجب جزاء الأولاد؛ لأن الذي أخرجه مأمور بإعادة الأم، والأولاد إلى المأمن، وهو الحرم فإذا لم يفعل دخلت الأولاد في الضمان بخلاف ولد المغصوبة؛ لأنه ما أمر صاحبه بإعادته إلى يده حتى لو كان مأمورًا من صاحبه نقول بضمانه، والثاني: ما أشار إليه فخر الإسلام -رحمه الله- وهو أن الصيد آمن بالحرم بكونه متوحشًا فتصير (٢) الجناية عليه بإثبات اليد عليه؛ لأن التوحش، ومعنى الصيدية يزول به فساوى الفرع [الأصل] (٣) في هذا؛ لأنه كما أثبت اليد على الأم فقد أثبتها على الولد المجتنى فيها، فلما [ساوى] (٤) الفرعُ الأصلَ في علة الضمان ساواه أيضًا في الحكم بخلاف ولد المغصوبة؛ لأن إثبات اليد في باب الغصب لا يصلح علة للضمان؛ لأن مال المرء إنما يصان بالأيدي، وإنما يضمن بقطع اليد؛ لأن حقوق العباد إنما تضمن بالتفويت أبدا، والولد فارق الأصل في تفويت اليد؛ لأنه لا يتصور تفويت قبل الثبوت ففارقه في الحكم، والله أعلم بالصواب.

بَابُ مجاوزة الوقت بغير إحرام

لما ذكر بَابُ الجنايات، وأنواعها أعقبه ذكر باب مجاوزة الوقت بغير إحرام؛ لأن هذا من الجنايات أيضًا إلا أن هذا قبل الإحرام، وما ذكره من باب الجنايات، وما يتبعه بعد الإحرام، فمطلق ذكر جناية المحرم يتناول لما بعد الإحرام، فكان كاملًا في استحقاق اسم الجناية، فلذلك قدمه على هذا الباب.

قوله -رحمه الله-: (فإن رجع إلى ذات عرق) (٥).

تخصيصه بذات العرق بناء على ظاهر حال الكوفي، وإلا فالرجوع إلى ذات عرق، والرجوع إلى مواقيت أُخر [سواه] (٦)، سواء في سقوط الدم عنه في ظاهر رواية أصحابنا -رحمه الله- لأنه ذكر في «شرح الطحاوي» (٧) فإن عاد إلى ميقات آخر سوى الميقات الأول الذي جاوز قبل أن يتصل إحرامه بالفعل سقط عنه الدم عند علمائنا الثلاثة، وعوده إلى هذا الميقات، وإلى ميقات آخر سواء، وروى عن أبي يوسف -رحمه الله- أنه قال: ينظر إن عاد إلى ميقات، وذلك الميقات يحاذي الميقات الأول، ولم يعد (٨) إلى الحرم سقط عنه الدم، وإلا فلا يسقط.


(١) الإمام الزاهد الصفار إسحاق بن أحمد بن شيث بن نصر بن شيث بن الحكم، أبو نصر، الصفار، وقيل: هو أحمد بن إسحاق. فقيه حنفي، من أهل بخارى، قال السمعاني: له بيت في العلم ببخارى، ورأيت من أولاده جماعة، وسكن مكة، وكثرت تصانيفه وانتشر علمه بها، ومات بالطائف، ذكره الحاكم في
" تاريخ نيسابور" فقال: أبو نصر الفقيه الأديب، قدم علينا حاجًا، وما كانت رأيت ببخارى مثله في سنه في حفظ الفقه والأدب، وكان قد طلب الحديث مع أنواع من العلم.
انظر: الجواهر المضية: ١/ ١٤٢)، و (الفوائد البهية: ١٤)، و (معجم المؤلفين: ٢/ ٢٣٠).
(٢) في (ب): فيكون.
(٣) أثبته من (ب).
(٤) أثبته من (ب).
(٥) انظر: بداية المبتدي (١/ ٥٤)
(٦) أثبته من (ب).
(٧) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ١٠٩).
(٨) في (ب): أوأبعد.