للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(فعلي كل واحد منهما جزاء كامل).

وقال الشافعي (١) -رحمه الله-: عليهما جزاء واحد؛ لأن من أصله أن المعتبر هو المحل، ولهذا قال: الدال الذي لم يتصل فعله بالمحل لا يلزمه شيء، والمحل هنا واحد، فلا يلزمه إلا جزاء واحد، وقاس بصيد الحرم، وحقوق العباد، وحجتنا ما بيّنا أن الواجب على المحرم جزاء فعله، وفعل كل واحد من القاتلين كامل جنى به على إحرام كامل، فيجعل في حق واحد منها كأنه ليس معه غيره كما في كفارة القتل، وكما في القصاص، فلمّا كان الواجب بطريق جزاء الفعل جعل كل قاتل كالمنفرد [به] (٢)، وبه فارق صيد الحرم؛ لأن وجوب الضمان هناك باعتبار المحلّ، ويسلك بضمان الصيد مسلك الغرامات يوضح الفرق أن المعتبر في الحرم حرمة الإحرام، وإحرام زيد غير إحرام عمرو، وهناك المعتبر حرمة الحرم، وهي متحدة في حق الفاعلين، وأما ضمان حقوق العباد فوجوبه بطريق الجبران، وذلك يتم بإيجاب بدل واحد، وما يكون بحق الله تعالى لا يكون بطريق الجبران؛ لأن الله سبحانه، وتعالى عن أن يلحقه نقصان ليكون ما يجب له جبرًا.

(وإذا باع المحرم الصيد أو ابتاعه، فالبيع باطل) (٣).

لأن الصيد في حقه محرّم العين، فلا يكون مالًا متقومًا كالخمر فهذا لا يجوز شراؤه أصلاً سواء اشتراه من محرم أو حلال، فإن عطبه في يده، فعليه الجزاء (٤) لجنايته على الصيد بإثبات يده عليه، وأنه إتلاف لمعنى الصيدية فيه، ويجب على البائع جزاؤه أيضًا إن كان محرمًا؛ لأنه جانٍ على الصيد بتسليمه إلى المشترى، ومفوت لما كان مستحقّاً عليه من تخلية سبيله، فكان ضامناً للجزاء، كذا في «المبسوط» (٥).

(ومن أخرج ظبية من الحرم) إلى أن قال: (فعليه جزاءهن) (٦).

ذكر بكلمة (من) ليتناول المحرم، والحلال فإن حكمهما/ في هذا الحكم واحد.

(وهذه صفة شرعية فتسري إلى الولد).

أي: كون الظبية مستحقة للأمن بالرد إلى الحرم صفة شرعية لها فتسري إلى الولد كصفة الحرية، والرقيّة في بني آدم فإن قلتَ: يُشكل على هذا ولد المغصوبة فإن المغصوبة واجبة الرد إلى مالكها على الغاصب بحيث لوهلكت بأي وجه كان يجب الضمان، ثُمَّ صفة كونها مستحقة الرد على الغاصب صفة شرعية فيها، ومع ذلك لم يسر إلى ولدها حتى لو هلك ولدها لا يجب الضمان لما أن زوائد الغصب غير مضمونة.


(١) انظر "المجموع" للنووي (٧/ ٣١٣).
(٢) أثبته من (ب).
(٣) انظر: بداية المبتدي (١/ ٥٥)
(٤) في (ب): جزاؤه
(٥) انظر: المبسوط (٤/ ٩٥).
(٦) انظر: بداية المبتدي (١/ ٥٤)