للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في «المبسوط» (١) بعد ذكر قول الشافعي (٢): أن عنده على القارن جزاء واحداً (٣)، وعندنا عليه جزاءان فقال: لأن كل واحد من الإحرامين أصل مثل صاحبه، فيعتبر كل واحد منهما في إيجاب موجبه كأنه ليس معه صاحبه كما أن حرمة الجماع بسبب الصوم وعدم الملك إذا اجتمعا بأن زنى الصائم في رمضان يجب عليه الحد، والكفارة جميعًا. وكذلك حرمة الخمر ثابتة لعينها فتثبت باليمين إذا حلف لا يشربها، ثُمَّ عند الشرب يلزمه الحدّ، والكفارة جميعًا بخلاف حرمة الحرم، فإنها دون حرمة الإحرام؛ لما ذكرنا، وذكر شيخ الإسلام أن وجوب الدمين على القارن فيما إذا كان قبل الوقوف بعرفة في الجماع، وغيره من المحظورات.

فأما بعد الوقوف بعرفة ففي الجماع يجب دمان، وفي سائر المحظورات يجب دم واحد لما أن إحرام العمرة إنما بقي في حق التحلل لا غير. (إلا أن يتجاوز الميقات) (٤) إلى قوله: (خلافًا لزفر).

وقال [زفر] (٥) رحمة الله عليه: عليه دمان؛ لأنه أخّر الإحرامين جميعًا من الميقات، فيلزمه لكل إحرام دم.

ألا ترى أن القارن إذا ارتكب سائر المحظورات يجب عليه ضعف ما يجب على المفرد، فكذلك إذا أحرم وراء الميقات ولنا أن المستحق عليه عند الميقات إحرام واحد.

ألا ترى أنه لو أحرم للعمرة عند الميقات، ثُمَّ أحرم بالحجّ بعد ما جاوز الميقات كان جائزاً، ولا شيء عليه مع أنه قارنٌ أيضًا، فعرفنا أن المستحق عليه عنده الميقات إحرام واحد، فيجب عليه بتأخير ذلك الإحرام دم واحد بخلاف سائر المحظورات، فإنه صار بجنايته مرتكبا محظور إحرامين، فكان عليه جزاءان.

وأما هاهنا فلم يصر محرمًا بعد حتى يترتّب عليه جناية إحرامين، إنما عليه أن يقضي حق الميقات بالإحرام، فيقضي هو بإحرام واحد، وكان التارك تارك إحرام واحد، فيجب عليه دم واحد، وأما إذا بدأ فأهلّ بالحجّة بعدما جاوز الميقات، ثُمَّ دخل مكة، فأهلّ بالعمرة أيضًا كان عليه دمان؛ لأنه أخّر إحرام الحجّ عن ميقاته، فوجب عليه دم [واحد] (٦)، ولمّا دخل مكة بإحرام الحجّة، فميقات إحرامه للعمرة الحِل بمنزلة ميقات أهل مكة، فحين أهلّ بالعمرة في الحرم فقد ترك ميقات إحرام العمرة أيضًا، فيلزمه لذلك دم آخر إلى هذا أشار في «المبسوط» (٧).


(١) انظر: المبسوط (٤/ ٨٢).
(٢) انظر: النووي في "المجموع" (٧/ ٣٣١).
(٣) سقطتا من (ب).
(٤) انظر: بداية المبتدي (١/ ٥٤)
(٥) أثبته من (ب).
(٦) أثبته من (ب).
(٧) انظر: المبسوط (٤/ ١٧١).