للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(بخلاف الصيد) أي: لا يجوز بيع صيد اصطاده محرم أو بيع صيد الحرم أصلاً، والفرق ما نذكره، وهو قوله: (لأن بيعه حياً (١) تعرضٌ للصيد الآمن).

(ولو نبت بنفسه).

أي: الذي لا ينبت عادة كأم غيلان، وقد ذكرناه.

(لا بأس [بالرعي] (٢)، لأن فيه ضرورة).

لأن الذين يدخلون الحرم للحج أو للعمرة يكونون على الدواب، ولا يمكن منع الدواب من رعي الحشيش، ففي ذلك من الحرج ما لا يخفى، فيرخص فيه لدفع الحرج، وعلى قول ابن أبي ليلى: لا بأس بأن يحتش، ويرعى لأجل البلوى، والضرورة فيه، فإنه يشق على الناس حمل علف الدواب من خارج الحرم.

ولنا ما روينا وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يختلى خلاها» (٣)، وإنما تُعتبر البلوى فيما ليس فيه نص بخلافه، فأما مع وجود النص، فلا يعتبر به. كذا في «المبسوط» (٤).

وروي أن العباس - رضي الله عنه - لما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وَلا يُخْتَلَى خَلاهُ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ» (٥) قَالَ: إلاَّ الإِذْخِرَ يا رسول الله، فإنها لقبورهم وبيوتهم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إلاَّ الإِذْخِرَ»، وتأويل هذا أنه كان من قصده - عليه السلام - أن يستثنى إلا أن العباس سبقه بذلك، أو كان أوحي إليه أن يرخص فيما يستثنيه العباس. كذا في «المبسوط» (٦).

(وبخلافِ الكمأة).

لأنها ليست من جملة نبات الأرض، بل هي مودعة فيها، وكذلك لا بأس بأخذ حجارة الحرم؛ لأن الانتفاع بالحجر في الحرم مباح، وما يجوز الانتفاع في الحرم يجوز إخراجه من الحرم أيضًا، كذا في «المبسوط» (٧).

(وكل شيء فعله القارن فيما ذكرنا أن فيه على المفرد دماً فعليه دمان) (٨).

فإن قيل: ينبغي أن يتداخلا كحرمة الإحرام، والحرم، فإن المحرم إذا قتل صيد الحرم لم يجب عليه إلا جزاء واحدٌ.

قلنا: حرمة الإحرام أقوى من حرمة الحرم لما ذكرنا؛ لأنه يحرم قتل الصيد في الأماكن كلها، والحرم لا يحرمه إلا في الحرم، ولأن الإحرام يحرم الصيد، والحلق والتطيب، ولبس المخيط، والجماع، والحرم لا يحرم إلا الصيد، وتوابعه مما ينمو كالحشيش، والشجر فيتبع أضعف الحرمتين أقواهما؛ لن الأصل أن الشيئين إذا اجتمعا في إيجاب حكم واحد، وأحدهما أقوى من الآخر، فإن الحكم يضاف إلى أقواهما، ويجعل ما دونه كالمعدوم كالحافر مع الدافع، والجارح مع جاز الرقبة، وليس كذلك الحجّ والعمرة؛ لأن حرمتهما في المحرمات سواء فلم يتبع/ أحدهما الآخر، وذلك لأن العمرة، وإن كانت دون الحجّة في الفرضية، والأداء، فأما في الإحرام فهما سواء، فإن إحرامها يحرّم جميع ما يحرّمه إحرام الحجّ، وإذا استويا وجب إضافة الحرمة إليهما كما لو جرح اثنان رجلاً ومات أضيف القتل إليهما، كذا نُقل عن الإمام مولانا حميد الدين الضرير (٩) -رحمه الله-.


(١) في (ب): هنا.
(٢) أثبته من (ب). وفي (أ) المرعى ولعل الصواب ماأثبته لموافقته أصله في الهداية.
(٣) متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [لَا يُنَفَّرُ صَيْدُ الحَرَمِ] (٣/ ١٤) برقم: [١٨٣٣]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [تَحْرِيمِ مَكَّةَ وَصَيْدِهَا وَخَلَاهَا وَشَجَرِهَا وَلُقَطَتِهَا، إِلَّا لِمُنْشِدٍ عَلَى الدَّوَامِ] (٢/ ٩٨٨) برقم: [١٣٥٥]
(٤) انظر: المبسوط (٤/ ١٠٥).
(٥) سبق تخريجه.
(٦) انظر: المبسوط (٤/ ١٠٤).
(٧) انظر: المبسوط (٤/ ١٠٥).
(٨) انظر: بداية المبتدي (١/ ٥٤)
(٩) حميد الدين الضرير علي بن محمد بن علي، حميد الدين الضرير من أهل رامُش -بضم الميم- قرية من أعمال بخارى من علماء الحنفية، كان إمامًا فقيهًا أصوليًا محدثاً متقنًا، تفقه على شمس الأئمة الكردري. وتفقه عليه جماعة منهم صاحب الكنز حافظ الدين النسفي. انتهت إليه رئاسة العلم بما وراء النهر. من تصانيفه: "الفوائد" حاشية على الهداية علقت على مواضع مشكلة؛ و"شرح المنظومة النسفية"، و"شرح الجامع الكبير".
(الجواهر المضية: ١/ ٣٧٣)، و (الفوائد البهية: ص ١٢٥).