للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[في شهادة العمال]

[قوله] (١): «لأنَّ نفس العمل ليس بفسق» (٢)، إنَّما الفسق هو الظلم؛ فإن العامل إذا كان عدلاً يستحق ثواباً عظيماً على ما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: «سَبعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالى يَومَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» (٣)، وذكر فيها إماماً مقسطاً، ألا ترى أنَّ الكبراء من الصحابة -رضي الله عنهم- (٤)، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي -رضي الله عنهم- كانوا عمَّالاً، ولو كان نفس الفعل حرجاً وفسقاً لتنزهوا عن ذلك. كذا في الذَّخيرة (٥).

وذكر الإمام قاضي خان - رحمه الله -: أراد به عامل السُّلطان الذي يُعين السُّلطان في أخذ الحقوق الواجبة، كالخراج، وزكاة السوائم ونحوه، أمَّا الذي يُعينه على أخذ الحرام لا تقبل شهادته (٦).

ثم قال: وقيل: أراد بالعمَّال الذين يعملون بأيديهم ويؤاجرون أنفسهم؛ لأنَّ من النَّاس من قال: لا تقبل شهادة هؤلاء، وإنَّما أورد هذه المسألة رداً لقول ذلك القائل؛ لأنَّ كسبهم أطيب الكسب على ما جاء في الحديث: «أفضل الناس عند الله تعالى من يأكل من كسب يده» (٧)، فلا يوجب ذلك حرجاً (٨).

وفي الفوائد الظهيرية: وذكر الصدر الشهيد: أنَّ شهادة الرئيس والجاني في السِّكة الذي يأخذ الدراهم، والصرَّاف الذي تُجمع عنده الدِّراهم ويأخذها طوعاً لا تقبل شهادتهم (٩).

وذكر البزدوي في باب الضمان من الجامع الصغير: أن من قام بتوزيع هذه النوائب على المسلمين بالقسط والمعادلة كان مأجوراً، وإن كان أصله من الجهة التي [يأخذها] (١٠) باطلاً، فعلى هذا ينبغي أن تقبل شهادة من قام بالتوزيع، ولو كان مجازفاً في كلامه من العمال لا تقبل شهادته، وقد ذكرناه (١١).


(١) سقط من النسخ.
(٢) الهداية (٣/ ١٢٤).
(٣) أخرجه: البخاري في صحيحه (١/ ١٣٣)، كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، رقم (٦٦٠)، ومسلم في صححه (٢/ ٧١٥)، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء النفقة، رقم (١٠٣١).
(٤) في «ج»: [رضوان الله عليهم].
(٥) المحيط البرهاني (٨/ ٣١٨).
(٦) ينظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢٢٦).
(٧) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقريب منه ما روي عن رَسُول ِاللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيرًا مِن أَن يَأكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّه ِدَاوُدَ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ».
أخرجه: البخاري في صحيحه (٣/ ٥٧)، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمل يده، رقم (٢٠٧٢).
(٨) ينظر: البحر الرائق (٧/ ٩٦)، مجمع الأنهر (٢/ ٢٠٢).
(٩) ينظر: المحيط البرهاني (٨/ ٣١٨)، مجمع الأنهر (٢/ ٢٠٢)، لسان الحكام (١/ ٢٤٦)، البحر الرائق (٧/ ٦٩).
(١٠) في «س»: [يأخذ].
(١١) النافع الكبير شرح الجامع الصغير (١/ ٣٧٩)، وينظر: البحر الرائق (٤/ ٢٢٧).