للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[مسألة السحور]]

السَّحَرَ آخُر الليلِ (١). وعن الليثِ (٢) قال: هو السَّدسُ الآخرُ، والسحورُ اسمٌ لمِا يُؤْكَلُ في ذلكِ الوقتِ، فعلى هذا كانَ المُضاف في قولهِ: «فإنَّ في السُّحُورِ بَرَكَةٌ» (٣) محذوفًا، أي: في أَكْلِ السُّحورِ، ثُمَّ قِيلَ: المرادُ مِنَ البركةِ: هو زيادةُ قُوةٍ في أداءِ الصَّوْم (٤) بدليل حديثِ آخرَ ذكرهُ في «المَبْسُوط» (٥): فقالَ -عليه الصلاة والسلام-: «استعينوا بقائلةِ النَّهارِ على قيامِ الليلِ، وبِأَكْلِ السُّحورِ على صيامِ النَّهارِ» (٦). وجازَ أنْ يكونَ المُرادُ مِنَ البركةِ هو: نيلُ زيادةِ الثوابِ لاستيفائهِ بأكْل ِالسَّحورِ بِسُنِنَ المرسلينَ عليهمِ السلام، وعملهُ بما هو مخصوصُ أهلِ الإسلام، فإنّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- قالَ: «فَرْقٌ ما بينَ صِيامِنا وصيامِ أهلِ الْكِتَابِ أَكْلُ السُّحورِ» (٧)، ثُمَّ تأخيرُ أَكْلِ السَّحورِ مُستحَبٌّ في مُستحَبٍّ لمِا أنَّ نفسَ التسحُّرِ، وهيَ أَكْلُ السُّحورِ مُستحبٌّ، وتأخيرٌه إلى آخرِ الليلِ مُستحبٌّ أيضًا، فكانَ التأخيرُ استحبابًا في استحبِابِ لقولهِ -عليه الصلاة والسلام-: «ثلاثٌ مِنَ أخلاقِ المرسلينِ: تعجيلُ الإفطارِ، وتأخيرُ السُّحورِ، والسِّواكُ» (٨) وفي النافعِ ذَكَر وضعَ اليمينِ على الشِّمالِ في الصَّلَاةِ مكانَ السِّواكِ (٩)، ولكنْ ما ذُكِرَ هنا مُوافِقٌ لما ذُكِرَ في «المَبْسُوط» (١٠) ثُمَّ تعجيلُ الإفطارِ، وتأخيرُ السُّحورِ إنّما يكونُ مُستحبًّا إذا لم يكنْ في السماءِ عِلّةٌ، وهو غيرُ شاكٍّ في وُقوعِ أَكْلِهِ في النَّهارِ، وسألَ الإمامُ بدرُ الدِّينِ النَّوريِ -رحمه الله- (١١) شَيْخِي عن هذا الحديثِ، فقالَ: كيفَ يكونُ تأخيرُ السحورِ مِنَ أخلاقِ المرسلينِ، ولم يكن في مِلَّتهِمْ.


(١) يُنْظَر: مجمع الأنهر (١/ ٣٩٨).
(٢) يُنْظَر: الفتاوى الهندي (١/ ٢٠٠).
(٣) رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الصَّوْم، باب بركة السحور من غير إيجاب (١٨٢٣)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه (١٠٩٥)، من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
(٤) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٧٣).
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٣٩).
(٦) رَوَاهُ ابن ماجه في سننه، كتاب الصيام، باب ما جاء في السحور (١٦٩٣)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-. قال الألباني: ضعيف.
(٧) رَوَاهُ مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه (١٠٩٦)، من حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه-.
(٨) رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في السنن الكبرى (٢٤٢٣ - ٢/ ٢٩)، والمتقي الهندي في كنز العمال (٢٣٨٨٩ - ٨/ ٥١١).
(٩) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٠٥).
(١٠) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٣٩).
(١١) هو: إسماعيل بن سودكين بن عبدالله أبو طاهر النوري، صحب الشيخ أبا عبدالله مُحَمَّد بن علي بن العربي مدة، وكتب عنه كثيرا من تصانيفه، وسمع بمصر من أبي الفضل مُحَمَّد بن يوسف الغزنوي، وأبي عبدالله مُحَمَّد بن حامد الأرباحي، وبحلب من الشريف أبي هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي، وحدث وكان فقيهًا فاضلًا محدثا شاعرًا له نظم حسن وكلام فى التصوف. مولده بالقاهرة سنة ثمان أو تسع وأربعين وخمس مائة، ومات بحلب سنة ست وأربعين وست مائة.
يُنْظَر: الجواهر المضية (١/ ١٥١)، الأَعْلَام للزركلي (١/ ٣١٤).