للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والرابعُ: أنهُ يمُسكُ بقيةُ يومهِ لما ذُكِرَ (١).

والخامس: أنهُ لا إثمَ عليهِ لقولهِ تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} (٢) (٣)، كذا في شروح «المَبْسُوط» (٤) أو نفيًا للتهمة، فإنه إذا أَكَلَ، ولا عُذْرَ لهُ اتهمهُ الناسُ بالفسقِ، والتحرزِ عن موضَعِ التُّهمةِ واجبٌ للحديثِ: «منَ كانْ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يَقَفِّنَ مواقفَ التُّهمِ» (٥)، وقد مرَ ما رُوِيَ عن علي -رضي الله عنه-: «إياكَ وما يقعُ عندَ الناسِ إنكارٌه» (٦)، وفي رِوايةِ ما يسبقُ إلى القلوبِ إنكارُهُ إلى آخرهِ وفيهِ قالَ عُمر -رضي الله عنه-: «ما تجانفنا لإثمٍ»، فإنهُ -رضي الله عنه- كان جالسًا في رحبةِ مسجدِ الكوفةِ عندَ الغُروبِ في شهرِ رمضانَ فأتى بعُسٍ [قدح] من لَبَنٍ فشرِبَ منهُ هو وأصحابهٌ، فأمرَ المؤذِنَ أنْ يؤُذِنَ فلما رُقِيَ المِئْذَنةَ رأى الشمسَ لم تغبْ، فقال: الشمسُ يا أميرَ المؤمنينَ، فقالَ عُمر -رضي الله عنه-: «بعثناك دَاعيًا، ولم نبعثْكَ رَاعيًا ما تجانَفْنَا لإثمٍ» (٧)، ثُمَّ يقضي يومًا مكانهَ، وقضاءُ يومٍ يسيرٍ، دَلَّ هذا الحدِيثُ على لزومِ القضاءِ، وعدمِ الإثمِ، وإنما قالَ ذلك عُمر -رضي الله عنه- لإساءةِ أدَبِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ حقِّهِ أنْ يجيءَ، ويخُبرَ فالِنَداءُ مِنَ المئَذَنةِ كانَ إساءةً منهُ في الأَدبِ، فردَّ عليهِ بقولهِ لم نبَعْثكَ رَاعِيًا، كذا في مبسوط الإمام الْإِسْبِيجَابِي، وغيره وهو يرى على بناءِ المفعولِ مِنَ الرأْي لا مِنَ الرِوَايةِ، أي: يُظُّن الجنفَ المثلِ، ومنهُ جَنَفَ عليها ذَا ظُلْمٍ مِنْ بابٍ ليسَ ما تجُانفنا لإثمٍ، أيْ: لم ينحرفْ إليهِ، ولم يملْ، يعني: ما تعمدَّنا في هذا ارتكابَ المعصيةِ، كذا في المُغْرِب (٨). هذا إذا أفطرَ، وهو يرى أنَّ الشمسَ قدْ غابتْ.

(أمّا إذا شكَّ في غُروبِ الشمسِ) (٩)، فأفطرَ فإنهُ تلزمُهُ الكفارةُ (١٠). هكذا حُكِيَ عن أبي جعفرٍ (١١)، ووجههُ هو أنَّ الثابتَ حالُ غَالِبِ الرَّأْيِ. شُبْهةُ الإباحةِ لا حقيقة الإباحة ففي حالة الشك، وهي حال تساوي الظنين (١٢) لابد أن يكون ذلك، ودُونَ ذلكَ شُبْهَةُ الشُّبهةِ، وبِشُبْهةِ الشُّبهةِ لَا تسقطُ العقوباتُ، وهذا بخلافِ ما إذا شكَّ في طلوعِ الفجرِ فأَكَلَ لا تلزمُهُ الكفارةُ، والفرقُ بينهما هو: أنَّهُ متى شكَّ في غُروبِ الشمسِ فأفطَرَ فقدْ كَمُلَ الفِطْرُ على سبيلِ التقديرِ؛ لأنهُ كانَ مُتيقنًا بالنَّهارِ شاكّّاً بالليلِ، واليقينُ لا يزولُ بالشكِّ،] وفي طلوعِ الفجرِ على عكسْهِ؛ لأنهُ كانَ مُتيقنًا بالليلِ شاكَّاً بالنهارِ، واليقينُ لا يزولُ بالشكِّ (١٣) فبقَي الليلُ، فلا يكونُ قاصِدًا للفِطْرِ، كذا ذِكره شيخ الإسلام.


(١) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٠٦)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ١٩٥).
(٢) سورة الأحزاب الآية (٥).
(٣) يُنْظَر: الجوهرة النيرة (١/ ١٤٤).
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٠٤).
(٥) الكشاف عن حقائق التنزيل (٣/ ٥٦٨)، وكشف الخفاء (٢/ ٢٥٤).
(٦) سبق تخريجه، ص (٣٧٩).
(٧) رَوَاهُ ابن أبي شيبة في مصنفه (٩١٣٩ - ٣/ ٢٤).
(٨) يُنْظَر: ١/ ١٦٥.
(٩) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٤١).
(١٠) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٣٠)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ١٩٥).
(١١) يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ١٩٥)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٢٨).
(١٢) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٤١).
(١٣) سقطت في (ب).