للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: نعم كذلك إلا أنه لمَّا ذبحها قد أبقى اسم الشاة فيها على ما ذكرنا بأنه يقال: شاة مذبوحة مع ترجيح (١) جانب اللحمية في الشاة، إذ معظم المقصود من الشاة اللحم، ثم السلخ والتأريب بعد ذلك لا يُفَوِّت ما هو المقصود بالذبح، بل تحقق ذلك المقصود، فلا يكون دليل تبديل العين؛ فلهذا كان لصاحبها أن يأخذها بخلاف [الطبخ بعده؛ لأنه لم يبق ما هو المتعلق باللحم التي كما كان فلم يكن لصاحبها أن يأخذها] (٢) بخلاف التأريب إلى هذا أشار في «المبسوط» (٣).

وهذا الوجه (يشمل الفصول المذكورة) أي: وجه الاستبدال ببقاء الاسم على عدم انقطاع حق المالك، وبفوات الاسم على انقطاع حق المالك شامل لعامة فصول مسائل (٤) الغصب فإنّه إذا غصب دقيقًا فخبزه، أو غزلًا (٥) فنسجه، أو قُطنًا (٦) فغزله، أو سِمسمًا (٧) فَعَصَره ينقطع حق المالك لتبدل الاسم والصورة والمعنى.

وأمّا إذا غصب الثوب فصبغه بعُصفر لم ينقطع حق المالك، فكان هو بالخيار على ما يجيء؛/ لأن عين الثوب قائم لم يتبدل اسمه ولا معناه، كذا في «الإيضاح» (٨).

[[الانتفاع في الشاة قبل أداء بدلها]]

(لا يحل له الانتفاع حتى يؤدي بدلها) وفي «المبسوط» (٩): (ليس له أن ينتفع به ما لم يُؤَدِّ الضمان بالتراضي أو بقضاء القاضي، أو يقضي القاضي عليه بالضمان) (والقياس (١٠) أن يكون له ذلك) أي: يجوز له الانتفاع قبل أن يؤدي الضمان؛ لأنه لمَّا طبخه أو شَواه صار مُستهلِكًا له، وعليه القيمة فيجوز له الانتفاع؛ لأنّ الملك إذا ثبت وانقطع حق المغصوب منه لا ينبغي أن يعتبر رضاه بعد ذلك (١١) (قوله -عليه السلام- في الشاة المذبوحة الْمَصْلِيَّة (١٢) من المصلي (بريان (١٣) كردن در آتش (١٤) من حد ضرب (١٥)، (وهذا حديث رواه أبو حنيفة عن عاصم بن كليب الجرمي (١٦) عن أبي بردة (١٧) (١٨) عن أبي موسى (١٩) - رضي الله عنهما- أن النبي -عليه السلام- كان في ضيافة رجل من الأنصار فقدّم إليه شاة مصلية، وأخذ منها لُقمة فجعل يَلُوكُها (٢٠) ولا يستسيغه (٢١) فقال: «إنها تُخبرني أنها ذُبحت بغير حق»، فقال الأنصاري: كانت شاة أخي، ولو كانت أعز من هذا لم يَنْفِس عليَّ بها، وسأرضيه بما هو خير منها إذا رجع قال -صلى الله عليه وسلم-: «أطعموها الأسارى» (٢٢).


(١) في (ع): (صح) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (٩/ ٣٣٥).
(٢) سقطت في (ع).
(٣) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٨٨).
(٤) سقطت في (ع).
(٥) الغزل: جعل الصوف أو القطن أو نحوهما خيوطًا بالمِغزل. معجم لغة الفقهاء (ص: ٣٣١) معجم اللغة العربية المعاصرة (٢/ ١٦١٥).
(٦) القُطْن: ثمرة نبات القطن ذات الأوبار السِّليولوزيّة التي تختلف من نوعٍ إلى آخر في الطُّول والمتانة، تُحلج للتَّخلُّص من البذور وتُغزَل خيوطًا لتُنسَج أقمشة تُصنَع منها الثِّياب. معجم اللغة العربية المعاصرة (٣/ ١٨٤٠)، معجم لغة الفقهاء (ص: ٣٦٧)
(٧) السِّمْسِمُ: حَبُّ الْحَلِّ. مختار الصحاح مادة (س م م) (ص: ١٥٤).
(٨) انظر: المبسوط للسرخسي (٩/ ١٧٢)، فتاوى قاض خان (٣/ ١٢٠)، العناية شرح الهداية (٩/ ٣٣٥).
(٩) للسرخسي (١١/ ٨٨).
(١٠) انظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٥٣)، فتاوى قاض خان (٣/ ١١٩)، العناية شرح الهداية (٩/ ٣٣٥).
(١١) قال الموصلي: (وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ). الاختيار (٣/ ٦٢).
(١٢) المصلّيةٍ: المشويّةٍ. الصحاح مادة (ص ل ا) (٦/ ٢٤٠٣).
(١٣) في (ع): (ريان).
(١٤) في (ع): (اكش).
(١٥) في (ع): (صرف).
(١٦) هو: عاصم بن كليب بن شهاب الجرمي الكوفي، وكان فاضلًا عابدًا، وثَّقه ابن معين، وغيره، أخذ عن: أبيه، وأبي بردة بن أبي موسى، وجماعة، وأخذ عنه: شعبة، والسفيانان، وزائدة، وبشر بن المفضل، وابن فضيل، وعلي بن عاصم، توفي سنة (١٣٧ هـ). انظر: تهذيب الكمال (١٣/ ٥٣٧)، تاريخ الإسلام (٣/ ٦٧٤)، ميزان الاعتدال (٢/ ٣٥٦)، الوافي بالوفيات (١٦/ ٣٢٦).
(١٧) في (أ): (بريدة) وما أُثبت هو الصحيح.
انظر: الآثار لأبي يوسف (ص: ١٢٧)، العناية شرح الهداية (٩/ ٣٣٥).
(١٨) هو: عبد الله بن مغيث بن أبي بردة الظفري المدني، والبعض يقول معتَّب والأول أشهر كما قال السخاوي، أخذ عن: أبيه، عن جده، وعن أم عامر الأشهلية، وأخذ عنه: ابن إسحاق، وأبو صخر حميد بن زياد، وشعيب بن عمارة، ذكره البخاري وابن حاتم وابن حجر وسكتوا عنه، وذكره ابن حبان في الثقات- أتباع التابعين- قال الذهبي: هو مقل صدوق. انظر: التاريخ الكبير للبخاري (٥/ ٢٠١)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٥/ ١٧٤)، الثقات لابن حبان (٧/ ٤٣)، تاريخ الإسلام (٣/ ٦٨٣).
(١٩) هو: عَبْد اللَّه بْن قيس بْن سليم بْنُ الأشعر بْن أدد بْن زَيْد بْن يشجب أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِي صاحب رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- واسم الأشعر نبت، قدم مكَّة،، وكان قدومه مَعَ إخوته فِي جماعة من الأشعريين، ثُمَّ أسلم، وهاجر إِلَى أرض الحبشة، وكان عامل رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- عَلَى زبيد وعدن، وأستعمله عمر -رضي الله عنه- عَلَى البصرة، وشهد وفاة أَبِي عبيدة بْن الجراح بالشام. ومات أَبُو مُوسَى بالكوفة، وقيل: مات سنة ٤٢ هـ، وقيل: سنة ٤٤ هـ، وهو ابْنُ ثلاث وستين سنة، وقيل: توفي سنة ٤٩ هـ، وقيل: غير ذلك. انظر: الطبقات الكبرى (٤/ ٧٨)، أسد الغابة (٣/ ٣٦٤)، تاريخ الإسلام (٢/ ٤٥١)، تهذيب التهذيب (٥/ ٣٦٢).
(٢٠) اللَّوْكُ: إدَارَة الشَّيء فِي الفَمِ. ويَلُوكُهَا: يَمْضُغُهَا. طلبة الطلبة مادة (ص ل و) (ص: ٩٧)، النهاية في غريب الحديث (٤/ ٢٧٨).
(٢١) السوغ: سَاغَ الطَّعَامُ سَوْغًا سَهُلَ دُخُولُهُ فِي الْحَلْقِ، وقوله (ولا يستسيغه): لَا يَقْدِرُ عَلَى ابْتِلَاعِهَا عَنْ سُهُولَةٍ. طلبة الطلبة مادة (ص ل و) (ص: ٩٧)، المغرب مادة (س وغ) (ص: ٢٣٩).
(٢٢) سبق تخريجه (٢٧٨).