للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب: أحكام المرتدين.]

لما ذكر أحكام أهل الكُفر الأصلي ذَكر في هذا الباب أحكامَ أهل الكفر الطَّارئ لِما أنَّ الطارئ بعد الأصلي وجودًا، فكذلك (١) ذكرًا.

[[ما يفعل بالمرتد]]

قوله: (إلا أن العَرْض (٢) على ما قالوا غير واجب) هذا هو ظاهر المذهَب (٣).

وذكر في الإيضاح: ويُستحبُّ عَرْض الإسلام على المرتدِّين (٤). هكذا روي عن عمر -رضي الله عنه- (٥)؛ لأنَّ رجاء العَود إلى الإسلام ثابتٌ لاحتمال أنَّ الردة كانت باعتراض شُبهةٍ وتأويل.

الأَوَّل، وهو قوله: (ويحبُس ثلاثة أيام) أنَّه يستمهل فيُمهل ثلاثةَ أيَّام. وأمَّا إذا لم يطلُب، فالظَّاهر أنَّه متعنِّت في ذلك، فلا بأس بقتلِه إلا أنَّه يُستحب أن يُستتابلأنَّه بمنزلة كافر بَلَغته الدَّعوة. وإنْ ارتدَّ ثانيًا وثالثًا، فكذلك يُفعَل في كلِّ مرّة، فإذا أسلَم يخلَّى سبيلُه لقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ٥].

وكان علي وابن عمر يقولانِ: إذا ارتدَّرابعًا لا (٦) تُقبل توبتُه بعد ذلك، ولكنْ يقتل على كلِّ حال؛ لأنَّه ظَهر أنَّه مستخِفٌّ مستهزئ وليس بتائب، واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (١٣٧)} [النساء: ١٣٧].


(١) في (ب) "وكذلك".
(٢) يقصد بالعرض هنا عرض الإسلام على المرتد.
(٣) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ٩٨ - ٩٩).
(٤) ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٧/ ١٣٤).
(٥) أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الأقضية، باب القضاء فيمن ارتد عن الإسلام، برقم (١٦) ٢/ ٧٣٧.
قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى الأشعري، فسأله عن الناس، فأخبره. ثم قال له عمر: هل كان فيكم من مغربة خبر؟ فقال: نعم، رجل كَفَر بعد إسلامه، قال: فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، فقال عمر: "أفلا حبستموه ثلاثا، وأطعمتموه كل يوم رغيفا، واستتبتموه لعله يتوب، ويراجع أمر الله"؟ ثم قال عمر: "اللهم إنّي لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني".
قال الشيخ الألباني -رحمه الله- الحديث معلول بمحمد بن عبد الله، فإنّه لم يوثقه غير ابن حبان، فهو فى حكم مجهول الحال. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (٨/ ١٣١).
(٦) في (ب) "لم".