للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر الإمام شمس الأئمة السرخسي: القياس في الكلِّ سواء، وهو أنْ لا يُلحق مولى القوم بهم، إلَّا أنَّ ورود الحديث كان في حُرمة الصَّدقة على مولى بني هاشم وهو ما رويأنَّأبا رافع (١) -رضي الله عنه- سأل رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: أتحِلُّ له الصَّدقة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

"لا، أنت مولانا ومولى القوم من أنفسهم". والمخصوص مِن القياس بالنَّص لا يُلحَق به ما ليس في معناه من كلّ وجْه، وهذا ليس فيما ورد فيه النَّص لأنَّ ذلك كان لإظهار فضيلةِ قرابة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في إلحاق مولاهم بهم، ومولى التغلبي ليس من ذلك في شيء (٢).

(ومَن مات في نِصف السَّنة فلا ينْبني له في العطاء) والعَطاء: ما يُكتب للغُزاة في الدِّيوان، ولكلِّ مَن قام بأمرٍ مِن أمور الدِّين، كالقَاضي والمفتي والمدرِّس، وفي الابتداء كان يُعطى لكلِّ مَن كان له ضرب مزيَّة في الإسلام، كأزواج النَّبي -عليه الصلاة والسلام- وأولاد المهاجرين والأنصار -رضي الله عنهم-. وكذا لو مات في آخِر السَّنة لا يورَث العطاء، لما قُلنا أنَّه صِلة، فلا يملَك قبل القَبض، كالمرأة إذا ماتت ولها نَفَقة مفروضة في ذمَّة الزَّوج تَسقط، كذا ههنا. وإنَّما وضع المسألة في نصف السَّنة لأنَّه لو مات في آخر السَّنة مستحبٌّ صرفُ ذلك إلى قريبه لأنَّه قد أوفى غناءه، فيُستحبُّ الصَّرف إلى قريبه ليكون أقرب إلى الوفاء. ثُمَّ قيل رزق القاضي يُعطى في آخر السَّنة، ولو أَخَذ في أولها ثم عُزِل قبل مُضيِّها قيل: يجب ردُّ ما بقي من السَّنة، وقيل على قياس نفقة الزَّوجة إذا عَجَل لها ثُمَّ ماتأحدهما قبل مُضيِّ المدة لم يَرجع عليها ولا في تركتها. وقال مُحمَّد: أُحِبُّ ردَّ الباقي لأنَّها أَخَذت المقصود، ولم يحصل ذلك؛ كما لو عَجَّل لها نفقة ليتزوجها فماتت قبل التزوُّج. ولهما أنَّها صِلة مِن وجه فينقطع الاسترداد بالموت كالرُّجوع في الهبة (٣)، كذا ذكره الإمام قاضي خان، والإمام التمرتاشي -رحمهما الله-، والله أعلم.


(١) أبو رافع القبطي مولى رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- يقال اسمه إبراهيم، ويقال أسلم، وقال ابن عبد البرّ: أشهر ما قيل في اسمه: أسلم. وقال يحيى بن معين: اسمه إبراهيم. وقيل كان مولى العباس بن عبد المطلب، فوهبه للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فأعتقه لما بشّره بإسلام العباس بن عبد المطلب، والمحفوظأنه أسلم لما بشّر العباس بأنّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- انتصر على أهل خَيبر، وذلك في قصّة جرت. وكان إسلامه قبل بدر ولم يشهدها، وشهد أحدًا وما بعدها.
قال الواقديّ: مات أبو رافع بالمدينة قبل عثمان بيسير أو بعده. وقال ابن حبان: مات في خلافة علي بن أبي طالب.
انظر: الإصابة لابن حجر (٧/ ١١٣)، والطبقات الكبرى لابن سعد (٤/ ٧٣).
(٢) المرجع السابق.
(٣) ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٥٦)، العناية شرح الهداية (١٠/ ٦٧).