للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: (لما ذكرنا) إشارة إلى قوله: (لأنَّه جيء بنفقته) يقال: "نَشَدْتُ الضالَّة أنْشُدُها نَشْدَةً ونِشْدانًا، أي طلبْتُها. وأنْشَدْتُها، أَي عرَّفتها" (١) كذا في الصحاح.

[[حكم لقطة مكة]]

ثم معنى الحديث الذي ذكره الشافعي -رحمه الله- (ولا تحلُّ لُقَطتها) (٢) أي: لُقَطة مكَّة (إلا لمنشدها) أي: لطالبها، وهو المالك عند الشافعي (٣)، وعندنا المراد من المنشد المعرِّف (٤).

العِفَاصُ: الوعاء الذي تكون فيه النّفقة مِن جلد، أو خِرقة، أو غير ذلك، يقال: أوكى السِّقاء، شدَّه بالوكاء، وهو الرِّباط الذي يُشدُّ به.

(والتخصيص بالحرَم لبيان أنَّه لا يَسقط التَّعريف فيه لمكان أنَّه للغرباء ظاهرًا) ومعنى هذا: أنَّ هذا المال الملقى في الحرم لمَّا كان للغرباء ظاهرًا، وَهُم تفرَّقوا شرقًا، وغربًا، وقد ذكر فيما إذا كانت اللُّقطة عشرة دراهم، أَو أكثر عرَّفها حولًا فلا فائدة في التَّعريف ههنا حولًا، ينبغي أن يَسقُط التَّعريف فالنَّبي -عليه الصلاة والسلام- أزال هذا الوهم بقوله: "إلا لمنشدها"، أي: لمعرِّفها أي: لا يدفعها إلا من يعرِّفها، ثم يفعل بها ما يفعل بسائر اللُّقطات لعدم الدَّليل بالفصل، ولا يجبُر ذلك على الدَّفع إلى الذي أعطى علامتها.


(١) الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (٢/ ٥٤٣).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب جزاء الصيد، باب لايحل القتال بمكة، برقم (١٨٣٤) ٣/ ١٤، ومسلم برقم (١٣٥٣) ٢/ ٩٨٦: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: قَالَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ: "لَا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ، فَانْفِرُوا، فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا"، قَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ، قَالَ: قَالَ: "إِلَّا الإِذْخِرَ".
(٣) ينظر الحاوي الكبير (٨/ ٥)، نهاية المطلب في دراية المذهب (٨/ ٤٥٤).
(٤) ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٦/ ٢٠٢)، البناية شرح الهداية (٧/ ٣٣٧).