للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[[منافع الحر]]

(له (١) أن المنافع أموال متقوّمة)، وذلك: (أن المال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا مما هو عندنا، والمنافع مِنَّا أو من غيرنا بهذه الصفة؛ وإنما تُعْرف مالية الشيء بالتَّمول، والناس يعتادون تَمَوُّل المنفعة بالتجارة فيها، وقد يستأجر المرء جملة ويؤاجر متفرقًا لابتغاء الربح، كما يشتري جملة ويبيع متفرقًا يُضمن بالقيود، سواء كان العقد (٢) صحيحًا أو فاسدًا؛ وإنما يُملك ويُضمن بالعقد ما هو متقوّم؛ وحُجتنا في ذلك حديث (٣) عمر وعلي -رضي الله عنهما- فإنّهما حكما في ولد المغرور أنه حر بالقيمة، وأوجبا على المغرور رد الجارية مع عُقرها، ولم يُوجِبَا قيمة الخِدمة مع عِلمهما أن المغرور كان يَستخدمها، ومع طلب المُدَّعِي بجميع حقه، فلو كان ذلك واجبًا له لَمَا حلَّ لهما السُّكُوت عن بيانه، وبيان العُقْر منهما لا يكون بيانًا لقيمة الخدمة؛ لأن

[[إتلاف المنافع لا يتصور]]

المُستوفى بالوطء في حكم جزء من العين؛ ولهذا يتقوم عند الشُّبْهة بخلاف المنفعة) كذا في «المبسوط» (٤)؛ ولأنا نقول: إن إتلاف المنفعة لا يُتصوّر فلا يجب الضمان؛ وذلك لأنّه لو تصوّر، أما أن يُتصور قبل وجود المنفعة، أو مقارنًا للوجود، أو بعد الوجود، لا وجه للأول؛ لأنها معدومة، والمعدوم غير قابل للإتلاف، ولا وجه للثاني؛ لأنّ الإتلاف إذا طرأ على الموجود يُبطل الموجود، وإذا قارن الوجود يمنع من الموجود، والإتلاف إنما يرد على [الموجود، لا وجه للثالث] (٥)؛ لأنها إذا وُجدت فَنيت، وكان بعد الوجود زمان الفناء، وزمان الفناء زمان العدم، وإتلاف الشيء في زمان عدمه لا يتصوّر لِمَا قلنا: إن الإتلاف على المعدوم لا يَرِد، ولأن الإتلاف قَطَع البقاء، وإخراجه من أن يكون منتفعًا به (٦)، بحيث لولاه لبقِيَ منتفعًا به ظاهرًا، وقَطْعُ البقاء فيما لا يحتمل البقاء لا يتصور دلَّ أن إتلاف المنافع لا يتصوّر فلا يجب الضمان (٧).


(١) أي: الشافعي- رحمه الله-.
(٢) سقطت في (أ).
(٣) أخرج مالك في موطئه: كتاب الأقضية، باب القضاء بإلحاق الولد بأبيه (٢/ ٧٤١) برقم (٢٣): (أنه بلغه، أن عمر بن الخطاب أو عثمان بن عفان قضى أحدهما في «امرأة غرت رجلا بنفسها، وذكرت أنها حرة فتزوجها، فولدت له أولادا، فقضى أن يفدي ولده بمثلهم» قال يحيى: سمعت مالكا يقول: «والقيمة أعدل في هذا إن شاء الله»، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: كتاب البيوع والأقضية، في الأمة تزعم أنها حرة (٤/ ٣٦١) برقم (٢١٠٦٠) وانظر: مسند الفاروق لابن كثير (١/ ٣٧٥). قال الأرنؤوط في سند مالك: (وإسناده منقطع) انظر: جامع الأصول (١١/ ٥١٣).
(٤) للسرخسي (١١/ ٧٢ - ٧٩).
(٥) في (أ): (الوجود ولا وجه للغالب) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.
(٦) سقطت في (ع).
(٧) انظر: البحر الرائق وتكملة الطوري (٨/ ١٣٩)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٣٤).